هل روت ''إصلاحات'' الرئيس عطش الطبقة السياسية التي انتظرت ''التغيير'' منذ عدة أسابيع لتحقيق سقف مطالبها التي دونتها وأرسلتها في شكل مبادرات جماعية ورسائل فردية مفتوحة إلى القاضي الأول في البلاد؟ أم أن الرئيس اختار إصلاحات على المقاس وعلى حواشي واجهة النظام فقط؟ لم يحدث رئيس الجمهورية في ''التنازلات'' السياسية التي أعلن عنها، أمس، في خطابه للأمة، أي مفاجئة مقارنة بما سبق وأن تحدث عنه كل من الوزير الأول أحمد أويحيى والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم، من أن البلاد ليست في أزمة سياسية، وبالتالي فإن إصلاحات السلطة لن تخرج عن نطاق هذا الحيز الضيق المذكور والمسموح به. لقد أقر رئيس الجمهورية مراجعة شاملة للدستور، وهو أمر نال ضوء أخضر وإجماع وسط أحزاب التحالف الرئاسي، ولم يختلف عليه أي من شركاء السلطة ومقربيها. وهذا الإعلان يعني أن الرئيس أدار ظهره كلية للمطالبين بإنشاء مجلس تأسيسي مثلما دعا إليه زعيم الأفافاس حسين آيت أحمد بمعية زعيمة حزب العمال لويزة حنون. وأمام الفارق بين ما قدمه الرئيس وبين السقف العالي الذي طرحته بعض الأحزاب، خصوصا الأرسيدي الذي طالب بتغيير النظام، اقترح عبد العزيز بوتفليقة إنشاء لجنة دستورية تشارك فيها ''الأحزاب الفاعلة''، وذلك لإعطاء الانطباع بأن التعديل الدستوري القادم ''طلع من تحت ولم ينزل من الفوق''، وفي ذلك تلبية لمطالب تحدثت عنها حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح. كما تجاهل رئيس الجمهورية مطالب المعارضة التي طالبت بتشكيل حكومة انتقالية وحل المجلس الشعبي الوطني وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة، مثلما ظلت تردده أحزاب النهضة والإصلاح والتحالف الوطني للتغيير. ولم يقدم الرئيس سوى مسألة مراجعة قانون الأحزاب الذي أضحى تعديله قضية تحصيل حاصل بعد مراجعة قانون البلدية. في مقابل ذلك نزل الرئيس عند رغبة الكثير من الأحزاب، عندما دعا لمراجعة قانون الانتخابات من خلال إشراك كل الأحزاب في ذلك، بل وذهب الرئيس إلى حد تلبية رغبة زعيم الأرسيدي الذي طالب بإحضار المراقبين الدوليين لمراقبة الانتخابات المقبلة. وفي مجال إطلاق الحريات، تحدث رئيس الجمهورية عن مراجعة قانون الإعلام، وكشف الرئيس فقط عن رفع التجريم عن الجنح الصحفية، وهو مطلب ظل مطروحا منذ سنوات، لكن في الوقت الذي كان فيه الرأي العام ينتظر قرارا بشأن فتح المجال السمعي البصري للمنافسة، تمسك رئيس الجمهورية مجددا بموقفه بأن الموعد لم يحن لذلك بعد، مثلما ظل يردد طيلة السنوات الماضية، بحيث أعلن الرئيس عن فتح قنوات موضوعية ضمن المؤسسة الأم للتلفزيون، وهو مشروع قديم ليس بمقدوره مواجهة الثورة الفضائية للقنوات التلفزيونية الأجنبية التي أضحت تساهم بشكل كبير في تكوين الرأي العام الوطني جراء فقدان التلفزيون الجزائري لأي تأثيره في الداخل والخارج. ولم يظهر جليا الاحتقان الذي يعيشه الشارع الجزائري بفعل احتجاجات العديد من الشرائح الاجتماعية وخاصة الطلبة، ضمن محتويات خطاب رئيس الجمهورية، مكتفيا في هذا المقام بإعلانه عن الشروع في مشاورات مع المواطنين حول التنمية المحلية، ودعوة الحكومة لوضع برنامج في إطار تشاوري مع الشركاء. ومن خلال تأكيده أن الجزائر يتواجد بها 30 حزبا سياسيا وبرلمان تعددي في أغلبيته وأقليته، يتضح جليا أن السلطة لا ترى ضرورة للقيام بإصلاحات شاملة، وتنظر إلى ما تطرحه الأحزاب على أنه مزايدات، بدليل مطالبة الرئيس لهذه الأخيرة بتنظيم نفسها. الأكيد أن ''جرعة'' الإصلاحات السياسية التي قدمها الرئيس ليست كافية لإرواء عطش الطبقة السياسية.