تحوّلت هيئة المشاورات، التي يرأسها عبد القادر بن صالح، إلى ما يشبه مزادا علنيا، ما على المشاركين في جلساته، من الذين تلقوا، طبعا، دعوات رسمية موقعة من بن صالح، سوى ''تسخين'' المزاد أكثر فأكثر، عن طريق رفع سقف المقترحات والمطالب بالشكل الذي يصعب معه الفرز بين من هو الحزب الذي يوجد في السلطة، ومن هو الموجود في المعارضة، ومن هو ''ولد السيستام''، ومن هو السياسي المتمرّد، إلى درجة أن الكل أصبح مع الكل، وأضحى من الصعب التفريق بين الشخص ''المرابط'' وبين الشخص ''البوليس''. لقد تحوّلت هيئة المشاورات إلى مسبح لغسل الذنوب، بحيث كل ما سمعناه من الأحزاب والشخصيات والمنظمات والجمعيات لا يخرج عن نطاق نحن مع الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام واستقلالية القضاء ومحاسبة الحكومة، ومع الانتخابات الحرة والنزيهة، ومع الفصل بين السلطات وتحديد الصلاحيات.. وغيرها من المبادئ الإيمانية التي لا وجود لها في الميدان، وهو ما يعني أن الشعب هو الذي يقف ضد الديمقراطية والصحفيين هم من يمارسون الرقابة، والقضاة هم من يعارضون الاستقلالية، والمواطن هو من يكره حقوق الإنسان، والنقابات هي من ''تعفّس'' على الحريات العمومية والفردية. لكن من الذي وضع القوانين المقيّدة للحريات؟ ومن أغلق المجال الإعلامي والسياسي؟ ومن منع الفصل بين السلطات؟ الأكيد أن هذه الممارسات التسلطية لم تُستورد في حاويات من الخارج، مثلما يُستورد ''البانان'' و''الكيوي'' و''الكافيار''، وإنما طبخت في الداخل من قبل برلمان به نفس الأحزاب السياسية التي تتظاهر اليوم بحبها للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن ليس كقناعة تؤمن بها، بل فقط ك''ديسكور'' في محاولة لإقناع ما تبقى من مغفلين في هذا البلد. إذا كان الحاج العنقة قال في إحدى القصائد الشعبية ''الذيب عمرو ما يتربى ولا يرعى لعشوب''، فإنه لا يعقل أيضا، أن ''يتدمقرط'' هؤلاء ويُمنح لهم صك الغفران بمجرد الوقوف أمام حائط مبكى هيئة بن صالح والجهر بالتوبة، لأنه شتان بين ما هو موجود في القلب وبين ما يلفظه اللسان. لقد سجلت هذه المشاورات على رداءتها وضعف وهشاشة المدعوين إليها سياسيا وشعبيا، حسنة كبيرة تحسب لها، بعدما أظهرت أن هناك انتحالا كبيرا للشخصية وتزويرا في مواقف وتبديلا ''للفيستة'' لدى العديد من المدعوين، وذلك تزلفا لجهة ما، ولكن لمن؟ الأكيد أنه ليس للشعب، لأنه يحفظ عن ظهر قلب أحزاب وشخصيات هذا البلد.