وجه قاضي التحقيق بمحكمة باب الوادي تهمة ''إفشاء سرّية التحقيق'' في ملف اغتيال العقيد علي تونسي، لصحفي ''الخبر'' حميد يس، بسبب مقال نشر العام الماضي، قدّرت النيابة العامة بأن مضمونه يمس بسر التحقيق. واللافت في القضية أن الصحفي يتابع بموجب قانون العقوبات بدل قانون الإعلام، وأن التهمة تكشف زيف وعود السلطة برفع التجريم عن الكتابات الصحفية. استدعى قاضي التحقيق عبد الحميد بورزق الذي كان مكلفا بالتحقيق في قضية اغتيال المدير العام الوطني السابق علي تونسي، أمس، صحفي ''الخبر'' حميد يس، ليبلّغه رسميا أنه متهم ب''إفشاء سرّية التحقيق'' في الحادثة التي وقعت يوم 25 فيفري .2010 ويتعلق الأمر بمقال نشر في ''الخبر'' بتاريخ 16 مارس 2010، أهم ما فيه أن شعيب ولطاش صرح لقاضي التحقيق أثناء استجوابه، بأنه كان في حالة دفاع عن النفس لما أطلق النار على العقيد تونسي. وأن الأخير هدده بآلة حادة تستعمل في فتح الأظرفة. وقد استمع القاضي بورزق إلى الصحفي مرتين بصفته شاهدا، في قضية رفعتها النيابة العامة ضد مجهول. الأولى كانت في 15 أفريل 2010 والثانية في 20 فيفري الماضي. وأصدر على إثرها أمرا بانتفاء وجه الدعوى، لكن النيابة استأنفت الأمر، وألغته غرفة الاتهام بمجلس قضاء الجزائر، التي التمست توجيه التهمة للصحفي الذي تم الاستماع إليه أمس عند الحضور الأول، على أن يخضع للاستجواب مرة ثانية عند الحضور الثاني قبل إحالة الملف على المحاكمة. والمثير للغرابة في الموضوع، أن الصحفي متابع بموجب قانون العقوبات بدل قانون الإعلام الذي لا يزال ساريا حسبما يعلمه الجميع. أما المادة القانونية 301 من قانون العقوبات التي استند إليها القضاء في توجيه التهمة، فلا تخلو من الغرابة أيضا، وتطرح مدى انسجامها مع التهمة. فهي تعني ''الأطباء والجراحين والصيادلة والقابلات والأشخاص المؤتمنين، بحكم الواقع والمهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة، على أسرار أدلي بها إليهم وأفشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم بها القانون إفشاءها ويصرّح لهم بذلك''. ويتضح جليا من خلال النص أن الأمر يتعلق بالسر المهني، وليس بالتحقيق القضائي. وتنص المادة على عقوبة الحبس من شهر إلى 6 أشهر، وبغرامة من 500 إلى 5 آلاف دينار. ومعروف لدى أهل مهنة الصحافة والقانونيين، أن قانون الإعلام يتضمن مادة (89) تعاقب كل من ينشر أخبارا تمس بسر التحقيق القضائي، بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وبغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف دينار. وقد رفض القضاء الالتفات إليها عمدا، وتوجه إلى قانون العقوبات، ما يعني أنه رفض تطبيق قانون الإعلام مع أنه ساري المفعول ما دام منشورا بالجريدة الرسمية، كما يعني أن الجهاز القضائي يتعامل مع الصحفيين كمجرمين بإخضاعهم لمواد قانون العقوبات بدل القانون الخاص بهم. ويتفق القانونيون على أن إفشاء سر التحقيق في الحالة التي تتعلق بقضية تونسي، يخص أطراف القضية أي محامي المتهم والضحية وقاضي التحقيق وممثل النيابة، وهم الذين لهم اطلاع على مجريات التحقيق وليس الصحفي. ويأتي اتهام صحفي ''الخبر'' في عز النقاش داخل الأسرة الإعلامية حول رفع التجريم عن الكتابات الصحفية، على خلفية تعهد رئيس الجمهورية بمراجعة قانون الإعلام. مما يكشف زيف وعود السلطة بخصوص احترام حرية التعبير.