زار عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة التونسية، السيد عبد الكريم الهاروني، رفقة رئيس جمعية يوغرطا للاندماج المغاربي بمدينة الكاف، السيد مقداد إسعاد، جريدة ''الخبر''، أمس، فكانت هذه الدردشة عما حدث في تونس... أسباب الثورة وما بعدها والآفاق المنتظرة. أرجع السيد الهاروني أسباب اندلاع الثورة في تونس قبل غيرها من البلدان العربية إلى مستوى الاستبداد الذي بلغ درجات جعلت كل النخب التونسية تيأس من أي احتمال للتغيير. واقتنعت هذه النخب بأن التغيير غير وارد إلا إذا جاء من داخل النظام أو من الخارج. لكن وفي ظل فساد بلغ درجة أصبح معها نهب المال العام علنيا وفي وضح النهار، وأصبحت المافيا هي التي تقود الدولة، في ظل هذا الوضع انفجر الشارع وثار الشعب التونسي، مسقطا كل الحسابات التي كرستها القبضة الحديدية للبوليس السياسي. ضيف ''الخبر'' عاد لما قبل الثورة، مشيرا إلى رئاسيات عام ألفين وتسعة التي كانت مؤشرا على أن لا خير يرجى من الانتخابات، وقبلها بعام قمعت السلطة الانتفاضة الشعبية التي عرفتها مدينة ففصة بعنف دون أن يتضامن معها الشارع ببقية المدن، ففهم الجميع أن كل من ينتفض سيكون مصيره كمصير سكان ففصة، ونفس الشيء والمصير عرفه سكان قردان بعد انتفاضتهم. هذه الأجواء كانت وراء الاختناق واليأس، حتى جاءت قطرة البوعزيزي التي أفاضت الكأس وفجرت الأوضاع وحدث الذي حدث بعد ذلك. وعن المرحلة التي بلغتها الثورة التونسية، يقول محدثنا إن آخر ما تحقق هو تحديد موعد لانتخابات ديمقراطية في 23 أكتوبر القادم ليقول فيها الشعب كلمته، وسيختار ممثليه في المجلس التأسيسي، وبعدها ستأتي الحكومة الجديدة التي ستحقق الطموحات، لتبنى في أعقاب ذلك بقية المؤسسات. وعما تحقق لحد الآن، يلخص ضيف ''الخبر'' المسيرة التي قطعت في إحباط كل محاولات إفشال الثورة، خاصة ما تعلق بإسقاط حكومة الغنوشي والعودة لقرار الشعب بعدم إجراء انتخابات رئاسية بالقوانين السابقة. وعن ظاهرة انعدام الأمن بالعديد من المدن التونسية، أرجع القيادي في حركة النهضة السبب إلى الوضع العام الذي أعقب سقوط النظام والوضع الحرج والصعب الذي وجد منتسبو الشرطة التونسية أنفسهم فيه، حيث كان من الصعب عليهم العودة إلى عملهم لأنهم لم يكونوا مؤهلين للتعامل مع المستجدات التي أعقبت الثورة. وعن مستقبل الثورة، يرى محدثنا بأن هناك مخاطر تهددها بالانحراف ومنها بقايا البوليس السياسي والقوى الراغبة في الوصول بسرعة إلى السلطة. وهذه القوى كانت معارضة للنظام السابق وقد تعرضت للاضطهاد، لكن تسرعها في الوصول إلى طموحاتها السياسية قد يضر بمسار الثورة، وقوى فرنسية تحاول أن تجهض الثورة التونسية من خلال محاولة توجيه مسارها لوجهة غير تلك التي اندلعت بسببها. وعن هذه الأطراف، ينبه ضيف ''الخبر'' إلى أن أطرافا فرنسية لا تعني فرنسا، ويقول إن فرنسا لم تساند الثورة والمطلوب منها حاليا ألا تقف ضدها. أما عن مواقف حركة النهضة مما يجري في بقية البلدان العربية، فيقول السيد الهاروني إن حركته تؤيد من حيث المبدأ أي شعب ينتفض لنيل حريته، لكنه يأسف لتطورات العنف الذي طبع الأحداث في ليبيا، وإن كان النظام الليبي هو المسؤول عن هذه التطورات الدرامية. ويتأسف كذلك لما يجري في سوريا التي تبقى بلدا استراتيجيا مهما في المنطقة، وتمنى لو أن النظام السوري فهم مغزى التطورات فأصلح أوضاعه قبل الانفلات، خاصة أنه ليس قدرا أن تمر كل البلدان العربية بثورات شعبية حتى تصلح أمورها.