شهر شعبان شهر عظيم لما ورد في فضله من أحاديث كثيرة، من ذلك الحديث الذي روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر من الصوم فيه. فصوم نصفه الأوّل مشروع، وعلى المؤمن أن يغتنم فرص الخير لينال الأجر عند الله تعالى، أمّا النصف الثاني منه فمَن كان معتادًا على صوم يومي الإثنين والخميس ومَن كان معتادًا على الصوم كصوم داود عليه السّلام فله أن يصومها. وقد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا: ''يطّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلاّ لمشرك أو مشاحن'' رواه الطبراني وابن حبّان، وهو حديث صحيح. فمَن أراد أن يلتمس فضل هذا الشهر العظيم فليصُم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك، إذ لم يكثر من الصوم في شهر بعد رمضان إلاّ في شعبان، كان يصوم فيه حتّى يُقال إنّه لا يفطر، كما روت ذلك عنه عائشة رضي الله عنها. أمّا الصوم في أواخر شهر رجب فلم يثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما ذكرنا ذلك سابقًا. والصوم عبادة، والعبادات توقيفية كما هو معلوم، وتخصيص أيّام معيّنة بالصوم من شهر معيّن على وجه الدوام يُعَدّ مخالفة للشّرع، أمّا مَن كانت عادته التّقرّب إلى الله بالصوم بين الحين والحين فله أن يصوم في أيّ شهر، ولو في رجب دون تخصيص، والله أعلم. امرأة تسأل عن حكم قضاء صوم رمضان من العام الفارط في شهر شعبان من العام الجاري؟ قال تعالى: {شهر رمضان الّذي أُنزِل فيه القرآن هُدًى للنّاس وبيّنات من الهُدى والفُرقان فمَن شَهِد منكم الشّهر فليصُمه ومَن كان مريضًا أوعلى سفر فعِدَّة من أيّام أُخَرَ} البقرة:.185 فمَن أفطر في رمضان بسبب عذر شرعي أو السفر أو الحيض أو النفاس وجب عليه القضاء بعد زوال العُذر، وهذا الوجوب من قبيل الواجب الموسّع، فإن أخّر المفطر القضاء إلى شهر شعبان مثلاً كحال السّائلة فلا إثم عليه، لكن الأولى هو المسارعة إلى القضاء بعد زوال العذر تبرئة للذمّة وتحسّبًا للموت المفاجئ. وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كانت تؤخّر قضاء ما أفطرته من رمضان بسبب الحيض إلى شهر شعبان. أمّا مَن أخّر القضاء إلى ما بعد رمضان الموالي، فعليه القضاء مع إطعام مسكين عن كلّ يوم، وهوما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة من الصحابة، وهو قول مالك وأحمد والشافعي. أمّا إن كان سبب التأخير راجعًا إلى عدم زوال العُذر فعليه القضاء دون فدية. ما حكم الاحتفال بليلة النِّصف من شعبان، والتوسعة فيها على العيال؟ l ورد عن جمع من الصحابة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ''يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النِّصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن'' أخرجه ابن ماجه وابن حبّان وغيرهما، وهو حديث حسن. فينبغي على كلّ مسلم تجنّب الذنوب الّتي تمنع المغفرة في تلك الليلة، وهي الشرك والشحناء، بل وفي سائر الأيام والليالي، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ''تُفتَح أبواب الجنّة يوم الإثنين والخميس فيُغفر لكلّ مَن لا يُشرِك بالله شيئًا، إلاّ رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتّى يصطلحا'' أخرجه مسلم. وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنّهم يقولون: {ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للّذين آمنوا ربَّنا إنّك رؤوف رحيم} الحشر:.10 وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ''قيل يا رسول الله أيُّ النّاس أفضل؟ قال: كلّ مخموم القلب صدوق اللِّسان، قالوا: صدوق اللّسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ''هو التّقي النّقي الّذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد'' رواه ابن ماجه وابن عساكر، وهو حديث صحيح. فليلة النِّصف من شعبان ليلة مباركة علينا أن نحرص على تحقيق الأخوة فيها والمحبّة والتّضامن والصفح والتّصالح، لتكون ركيزة الاتحاد نحو حياة مستقرة مطمئنة طامحة نحو التقدم والتطور، في ظلّ العبودية لله جلّ جلاله.