هل السلطة الفاسدة نتاج مجتمع فاسد؟ وهل المجتمع هو الذي يفسد سلطته أم أن ممارسات السلطة هي التي تنشر الفساد بين الناس؟ تساؤل يحير الكثيرين ويرد في الكثير من التعليقات. ذلك في نظري تحريف خطير وغير مفيد للأولويات وللنقاش الذي ينبغي أن يخوضه المجتمع والرأي العام، حول معطيات الوضع القائم وكيفية تجاوزها بالطلاق بالتراضي أو بالتطليق. فساد السلطة يعيده البعض للسياسات ولعدم إنجاز الوعود بل ويعيده البعض الآخر لانحراف الثورة والسطو عليها. وفساد المجتمع يعود في الغالب عند الكثيرين للانحطاط والتخلف وأيضا لفساد السلطة والحاكم. بالنسبة للتفسير الأول الخاص بفساد السلطة الدكتور محيي الدين عميمور، وهو أحد الكتاب الأكثر التصاقا بالحكم في مراحله المختلفة، كتب مرة يتحدث عن سطو الطلقاء على الدولة ومؤسساتها، فمن هم الطلقاء ولماذا تمكنوا من السطو على الدولة ولماذا فشل ''أصحاب العصبية الأولى'' بتعبير ابن خلدون أو ''المجاهدون'' بالتعبير الشرعي والسياسي في حماية الدولة من هؤلاء الطلقاء؟ مهما كانت الإجابة ''حزب فرنسا'' أو تواطؤ النخبة أو عجزها، فإن ذلك أمر لا مسؤولية للمجتمع فيه، سوى أنه لم يكن طرفا في معادلة الحكم والقرار، حتى وإن كان الغاية الأساسية في خطاب التبرير السياسي؟ ويمكن أن نتساءل هل ينبغي أن يصلح المجتمع السلطة فيه أم ينبغي على السلطة أن تصلح المجتمع وأن تصلح نفسها؟ المسألة واضحة، لو اقترنت السلطة بالقيادة لقلنا إن على عاتق هذه القيادة تقع مسؤولية قيادة المجتمع وتحديد الأهداف والعلاجات اللازمة لإصلاحه وإصلاح مؤسساته وأولها الحكم والسلطة. فمهمة بناء دولة المؤسسات ودولة القانون هي مهمة قيادية. وعندما تغيب القيادة وتغيب الشرعية والمصداقية تأتي مثل تلك التساؤلات المحيرة التي تجعل المسألة كلها عبارة عن زوبعة في فنجان مكسور! البعض راح يروج وبشكل مغرض وخاطئ بل ومجرم لفكرة ''كما تكونوا يولى عليكم''، بما يعني أن المجتمع الفاسد لا بد له من سلطة فاسدة تحكمه بفساده. إن الشرع الذي يستند له البعض بشكل عفوي وسطحي أو بشكل مغرض، تحركه أطراف لها مصلحة في نشر تلك الثقافة الخانعة للحاكم وجعل ذلك واجبا شرعيا، قلت الشرع يجعل مسؤولية أولي الأمر تطبيق أحكام الشرع وإصلاح الرعية ويحمّلهم مسؤولية سعادة الرعية دنيا وأخرى. ولتوضيح الفكرة ينبغي التساؤل: كيف يتم اختيار ''أولي الأمر''؟ وأي شورى لا بد من اتباعها باعتبارها قاعدة (وأمرهم شورى بينهم)، ومن يشارك في هذه الشورى ''أهل الشورى!!'' أم كل المسلمين، وإن حدث اختلاف بين المسلمين فكيف الفصل فيه؟ وإن انحرف ولي الأمر أو قصّر كيف ينبغي تقويمه، وإذا رفض وتجبّر ما العمل وكيف يمكن إنهاء طغيانه؟ هذه التساؤلات ليست مسألة فقهية، يتولاها رجال الدين، بل مسألة سياسية ومؤسساتية، يتولاها ذوو الاختصاص في الكثير من العلوم، مثلما هو شأن عام يهمّ كل أفراد المجتمع المسلم. ويمكن القول عمليا أليس مبرر وجود أي سلطة هو وضع القاعدة التي تخدم الصالح العام، وتطبيق القاعدة القانونية التي وضعتها هي؟ هل يمكن منطقيا أن تبرر السلطة الرشوة وانتشارها بفساد المجتمع؟ هل يمكن أن نسلم هكذا أن الإنسان فاسد بطبعه أو أنه يعيش مرحلة انحطاط تجعله فاسدا ولا مسؤولية للسلطة على ذلك الفساد إلا إدراته وحتى الخضوع له وتركه ينمو بحرية؟!! منطقيا الكل سيجيب طبعا لا؟ مهما كانت التفسيرات التي يقدمها علماء الاجتماع والسياسة وعلماء الشرع والفقهاء وغيرهم، فإن مسؤولية أي سلطة هي تطبيق القانون وهي قيادة المجتمع باتجاه غايات تم التعاقد عليها سياسيا، وذلك غير ممكن من دون اختيار هذه السلطة من قبل الناس. وهذا الاختيار هو أساس التعاقد. من دون ذلك، فإن الغايات تتحد على ضوء تقدير مصلحة الأطراف النافذة في الحكم والمستفيدة منه وبما يضمن استمرار هذا الحكم. في هذا الاحتكار يأتي مناخ الفساد والإفساد والخروج منه يبدأ من المنطقة نفسها، كسر الاحتكار. في كل الأحوال واضح أن احتكار المجال السياسي واحتكار الثروة واجتماعهما عامل ناشر للفساد وحامٍ له. إن هذا الفساد هو الذي يقف حجر عثرة في وجه أي إصلاح للمجتمع والدولة. الإصلاح يبدأ من السلطة والحكم والتمكين من بروز قيادة حقيقية شرعية وقادرة. [email protected]