طلب الوزير الأول أحمد أويحيى، حسب مصادرنا، من وزير الاتصال تقديم قراءة ثانية للمشروع تتجه الحكومة لسحب المواد التي تنص على سجن الصحفيين، المنصوص عليها في مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام الذي أعدته وزارة الاتصال، وعرض في اجتماع لمجلس الحكومة السبت الفارط. أبلغت مصادر حكومية مطلعة ''الخبر'' بأن مجلس الحكومة قرر في اجتماعه أول أمس السبت إعادة النظر في بنود المشروع الذي أعدته وزارة الاتصال، وتقرر في هذا السياق حذف أغلب المواد التي تنص على عقوبة السجن، عدا تلك لها مرجعية في قانون العقوبات وبالخصوص نشر أو بث أي معلومة أو وثيقة تتضمن سر الدفاع الوطني. أعضاء الحكومة الذين استمعوا قبل أيام لعرض من وزير الاتصال ناصر مهل، ناقشوا أول أمس بنود النص الجديد الذي انفردت ''الخبر'' بنشر تفاصيله، وبعد نقاش معمق رجحت الكفة، رغم مقاومة بعض الوزراء لذلك، لتطهير النص من العقوبات السالبة للحرية والاكتفاء بالغرامات المالية انسجاما مع التوجه العام الذي توج في جويلية الماضي بإلغاء المادتين 144 مكرر1 و146 من قانون العقوبات حيث ألغيت عقوبة السجن. وطلب الوزير الأول أحمد أويحيى، حسب مصادرنا، من وزير الاتصال تقديم قراءة ثانية لمناقشته في الاجتماع المقبل للمجلس قبل تجهيزه تمهيدا لعرضه لاحقا في اجتماع مجلس الوزراء، وهي الخطوة التي تسبق عرضه على البرلمان لمناقشته وإثرائه رفقة مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات والأحزاب والجمعيات والقانون العضوي الخاص بتمثيل المرأة في المؤسسات المنتخبة. وأثار إبقاء وزارة الاتصال على عقوبات السجن المنصوص عليها في القانون 90-07 الصادر في 3 أفريل 1990 الذي يوصف بأنه قانون عقوبات مكرر، خيبة أمل واسعة لدى الأوساط المهنية والحقوقية، وأجمعت كل القراءات على انتقاد مضمون التعديلات التي أدرجت في القانون، باعتبارها لم ترق إلى السقف المأمول من قبل المهنيين والحقوقيين والمؤمنين بحرية الصحافة والتعبير، بل حمل النص الجديد -رغم محاسنه فيما تعلق بحقوق الصحفيين وتنظيم القطاع- توجها من الحكومة لغلق مساحات الحرية المتوفرة حاليا للصحافيين عند تناول الفضائح المالية والسياسية والقضايا الأمنية. كما انتقد المهنيون عدم استشارتهم في صياغة هذا النص، بعكس رواية وزير الاتصال ناصر مهل الذي تحدث عن استشارات واسعة مع قانونيين وقضاة وجامعيين. وتضمن المشروع التمهيدي 15 مادة (أي 10 بالمائة من مواده) عقوبات تتراوح بين السجن والغرامات المالية وغلق الوسائط الإعلامية، وإلى جانب الطبيعة العنيفة لهذه العقوبات، تفتقد كثير منها حسب المتخصصين للوضوح، وخصوصا ما تعلق بأمن الدولة والوحدة الوطنية، ما يفتح مجالا واسعا أمام كل التأويلات. ويشكل تراجع الحكومة عن عقوبة السجن اعترافا بالخطيئة، لكنه يعتبر تحولا مهما يحسب للجهاز التنفيذي الذي يدرك أن الإبقاء على هكذا عقوبات سيكون مكلفا جدا سياسيا في ظل توجه إقليمي للإصلاح السياسي، وترقب داخلي لمضمون هذه الإصلاحات التي تواجه انتقادات قبل الكشف عن نسختها النهائية. وطرح تقديم نصوص تفتقر للإبداع شكوك في مقدرة الحكومة على ترجمة طلبات الشارع الجزائري للإصلاح السياسي العميق والخروج من الشذوذ السياسي القائم في بلادنا الملزمة بالانخراط في تحولات حقيقية للديمقراطية بطريقة سلمية، تحت تهديد انتقال عدوى الثورات العربية التي تملك سجلا حافلا بالألم لم يزل بعد رغم المسكنات.