بدأت تظهر أولى مؤشرات الإصلاحات السياسية التي وعد بها رئيس الجمهورية في خطاب 15 أفريل الماضي، باكتشاف مضمون مشروع تمهيدي لقانوني عضوي حول الإعلام. ولما كان الرئيس قد تعهد برفع التجريم عن جنح الصحافة، كان متوقعا إلغاء أي أثر للسجن على كتابات الصحافيين من مسودة القانون الجديد المنتظر. لكن النص جاء مليئا بالغرامات وبالسجن، وظهر غير واضح فيما يخص حماية الصحفي من التحرش به والاعتداء عليه أثناء تأدية مهامة، ما يمثل في نظر مهنيي القطاع تراجعا عن مكاسب جاء بها قانون الإعلام 1990 حتى لو كانت أقل من تطلعات أفراد المهنة. مشروع قانون الإعلام يعيد الجزائر إلى الوراء علامة استفهام كبيرة حول نوايا السلطة في التغيير
ما ورد في مضمون مشروع القانون العضوي الجديد للإعلام، يحيلنا بإلحاح إلى مدى نية السلطة في تبني إصلاحات حقيقية بالسقف الذي يريده الرئيس بوتفليقة، كما يطرح جدلية تشكل الإجابة عليها، مستند الإجابة عن سؤال، ما الموقع الحقيقي للرئيس بوتفليقة في الإصلاحات؟ زرع مضمون مشروع قانون الإعلام الجديد، الشك والريبة، ليس في الأوساط الإعلامية المعنيه به مباشرة فحسب، وإنما في الأوساط السياسية التي كانت تترقب تقريرا إيجابيا عما تكون عليه الإصلاحات بناء على المشاورات السياسية التي أجراها عبد القادر بن صالح، فتفاجأت بمضمون غير مرحب به يتعلق بقانون من قوانين الإصلاح الرئيسية التي وردت في قائمة الرئيس بوتفليقة في خطابه للأمة يوم 15 افريل، ما يطرح التساؤل: هل كان مشروع قانون الإعلام بما حمله من مواد تكرس حبس الصحفي، وتعيد الجزائر خطوات للوراء، ينم فعلا، ويؤشر على حقيقة ما ستكون عليه قوانين الإصلاح الأخرى وكذلك شاكلة الدستور القادم، بتكريس سقف متدني لا يرقى إلى السقف الذي تحدث عنه الرئيس، أم أنه مجرد ''طعم'' ألقي به لقياس ردة فعل الطبقة السياسية التي تشاورت على الانفتاح والحريات والديمقراطية، ودعت إلى وقف التضييق والانغلاق، فأظهر لها شكل آخر معكوس بالتمام على الأمل المعلق على إصلاحات مرتقبة. ويلغي مشروع القانون الجديد للإعلام، النية في الذهاب إلى إصلاح جوهري يكرس القطيعة مع الممارسات البالية، كما كانت تأمله العديد من الأطراف، وأكد أن تأخر الإعلان عن تقرير المشاورات، بعد دعوات ملحة للمشاركة فيها، مرده ربح الوقت لتضمين فصول في الإصلاحات لا تتوافق مع الإرادة الأولى التي عبرت عنها السلطة، تحت ضغط الاحتجاجات وتنامي إرهاصات الثورات العربية. بل تؤكد التراجع عنها، مسايرة لما تعتقده السلطة بأن هناك تراجعا في الحركة المطلبية، واختزال مشهد الاحتجاجات في صورة قطاعية وعمالية تعتبر السلطة أنها لا تمت بصلة إلى المطالب السياسية، خاصة بعد إفشال المسيرات السبتية، في حين، هناك إجماع على طغيان الخلفية السياسية في الاحتجاجات أكد عليه حزب العمال وحركة النهضة والإصلاح وحمس، في حين رفض الاعتراف بذلك الأفالان والأرندي، لأسباب مرتبطة بولائهما غير المشروط. السؤال المطروح، ما موقف الرئيس بوتفليقة من متناقضات الإصلاح؟ وهل تؤشر المتناقضات على لا توافق بشأن شاكلة الإصلاحات؟ أم أن السلطة ترى أن قانون الإعلام استثناء يجب أن يعالج كاستثناء وبالتالي لا علاقة بمضمونه مع مضامين القوانين الأخرى، كالانتخابات والأحزاب.
رئيس النقابة الوطنية للصحفيين كمال عمارني ل''الخبر'' الإبقاء على عقوبة الحبس يشجع الرقابة الذاتية
قال كمال عمارني، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين، إن النقابة لم تتوقف عند رفض حبس الصحفي فحسب ''وإنما عارضت تعديل قانون الإعلام لسنة 90 من أصله، مباشرة بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوتفليقة يوم 15 أفريل المنصرم، والذي دعا فيه إلى قانون جديد للإعلام. وأوضح عمارني في تصريح ل''الخبر''، أن ما ورد في مسودة مشروع القانون العضوي للإعلام الذي تناولته ''الخبر''، ''لم يفاجئنا''، وقال ''موقفنا ثابت ومفاده أن كل ما يتعلق بحبس الصحفي بشكل أو بآخر، يجب أن يتم حذفه من القانون، لأن القضية مرتبطة بمجلس أخلاقيات المهنة، يعمل على امتصاص القضايا التي تطابق عقوبة الحبس''، وتابع رئيس نقابة الصحفيين ''أما الآن وما دام أن هناك إبقاء على الحبس في حق الصحفي، فلا داعي لمجلس أخلاقيات المهنة''. ووردت في مسودة مشروع قانون الإعلام الجديد، الذي يعتبر واحدا من قوانين الإصلاح المهمة، بنودا تنص صراحة على حبس الصحفي عكس توجهات الرئيس بوتفليقة الذي أوصى بإزالة التجريم عن الصحافة في خطابه يوم 15 أفريل المنصرم. وأوضح رئيس نقابة الصحفيين أن النقابة أبدت معارضتها لتعديل قانون الإعلام لسنة 90، مشيرا إلى أن ''عريضة تم تحريرها وتوقيعها للدفاع عن القانون، أوصت بحذف المواد التي تجرم العمل الصحفي''، وأضاف'' عبرنا عن رأينا بأن القانون الساري حاليا جيد ويجب تطبيقه لأنه لم يطبق أصلا. وتوقعنا العودة إلى الغلق وهذا ما يحدث حاليا''. وتساءل عمارني ''من يحدد نوعية المقال الذي يتعرض لمسألة الوحدة الوطنية، أو سر الدفاع الوطني أو المساس بأمن الدولة مثلا''، قبل أن يؤكد على أن ''الإبقاء على الحبس يشجع الرقابة الذاتية، وهذا أمر غير مستحسن''. واستغرب المتحدث كيف تمت صياغة مشروع قانون مهم بسرعة، علما أن الإعداد لمثل هذا القانون ''يحتاج إلى أعوام ولا تكفي ستة أشهر''. ونفى عمارني تلقي النقابة لأي دعوة من وزارة الاتصال للتشاور حول مسودة القانون، وقال: ''تمت دعوة الناشرين وحضرت أنا وناقشنا محاور قانون للإعلام، لكن لم نناقش مسودة مشروع''.
في عين الخبير... المحامي المتخصص في جنح الصحاف خالد بورايو ل''الخبر'' مشروع وزارة الاتصال غامض ويمثل تراجعا في مجال حرية النشر
من موقعك كمختص في جنح الصحافة، كيف تقرأ المشروع التمهيدي للقانون العضوي للإعلام الذي أعدته وزارة الاتصال؟ هذا المشروع جاء بعد عدة مبادرات لوزراء سابقين دون أن ترى النور. أما عن محتواه فقد حمل أشياء إيجابية أبرزها أنه يكرس الحريات فيما يخص ممارسة مهنة الصحافة من طرف وسائل الإعلام. وورد في المواد 23 و26 و27 و29 إجراءات لتنظيم أجهزة الأعلام، إضافة إلى تدابير أخرى تمنع تسلط إدارات وسائل الإعلام وتمنع إغراق وسائل الإعلام بالإشهار، وتتوخى مراقبة الحسابات الاجتماعية لأجهزة الإعلام، وتعمل على عدم التنازل عن العناوين الاعلامية. وأدخل المشروع أيضا تقنينا يخص وكالات الأنباء وأجهزة الإعلام الإلكتروني المشروع دعا إلى فتح السمعي البصري على الاستثمار الخاص؟ في هذا الجانب بالذات لم يأت بجديد لأن القانون الحالي يحمل رؤية لفتح السمعي البصري، ولكن لاحظنا أن المجلس الأعلى للإعلام لم يتمكن من السير في هذا التوجه، وألغي لأسباب سياسية، إذ لم تكن هناك إرادة سياسية للانفتاح. وفي الحقيقة خدم إلغاؤه كثيرا من الأطراف لأنه كان مخولا بمراقبة وتنظيم وسائل الإعلام، خاصة تنظيم القطاع العام. ونلاحظ في المشروع الجديد أنه يستحدث سلطة ضبط تستثني مراقبة وسائل الإعلام السمعي البصري التابع للقطاع العام. ويلاحظ في المشروع أيضا رفع العقوبة عن عدة مواد. ولكن هناك تراجع عن حرية النشر، فالمادة 14 في قانون الإعلام تقول بخصوص مبدأ التصريح بالنشر إن وكيل الجمهورية يمنح وصلا باستلام الطلب يتيح طبع النشرية. أما في المشروع الجديد المطلوب تقديم ملف لسلطة الضبط التي تمنح وصلا، وبعد 60 يوما تصدر الاعتماد. وبهذا عدنا إلى نظام الاعتماد وهذا فيه تراجع. ومن جهة أخرى نلاحظ أن سلطة الضبط تستثني مراقبة توجهات القطاع العام. فالمادة 50 تخضع رخصة كل خدمة اتصال سمعي بصري إلى إبرام اتفاق بين سلطة الضبط وسائل الإعلام، والمستفيد من الرخصة. وتستثني القطاع سمعي البصري من هذا الإجراء. هذا الاستثناء يبدو غريبا ولا مبرر له. أعطيك مثالا. إذا عدنا إلى المادة 59 من قانون الإعلام، نجد أنها تنص على مراقبة حياد القطاع العام السمعي البصري. أما المادة 98 من المشروع الجديد فتتحدث عن ضمان استقلالية وحياد الخدمة العمومية للاتصال، وهذا مفهوم غامض في معناه. المشروع يتضمن 15 مادة تسلط غرامات ثقيلة على الصحفي، و7 مواد منها تحمل تهديدا صريحا بالسجن. جاء ذلك في وقت توقع فيه الصحافيون إلغاء عقوبة السجن في القانون المرتقب. إذا أخذنا القانون الفرنسي للإعلام نلاحظ أنه يرفع عقوبة الحبس عن كل جرائم الصحافة باستثناء جنحة التحريض على أعمال العنف والإشادة بالعنف، وهذا أمر غير موجود في المشروع الذي رفع العقوبة عن تهمة الإسلام والديانات الأخرى والإفشاء بهوية القصّر. وهناك تناقض بين المادة 123 التي تتحدث عن هوية القصّر وتهدد بالغرامة، وبين المادة 132 التي تهدد بالسجن مع أن الأمر يتعلق بنفس الموضوع ونفس الأشخاص. في قانون الإعلام توجد مادة تحمي الصحفي من الاعتداء عليه أثناء تأدية مهمته، نلاحظ أنها غائبة في المشروع الجديد، أليس هذا تراجعا آخر عن مكسب تحقق في السابق؟ المادة 78 من قانون الإعلام تحمي الصحفي من التعرض للقول الجارح والاعتداء عليه، بتسليط عقوبة السجن. ولكن المادة 67 في المشروع الجديد التي تتناول هذا الجانب، تظهر مع الأسف غامضة، إذ تتحدث في المطلق عن التحرش بالصحفي، ولكن لا تحدد الأفعال ولا العقوبة. وإجمالا نرى بأن النص من حيث الصياغة وضبط المفاهيم في عمومه غامض وغير متماسك، مما لايسمح باستيعابه بصورة سهلة.
في عيون المهنيين
فيصل مطاوي تراجع واضح عن تعهدات الرئيس بوتفليقة يفيد الصحفي فيصل مطاوي من يومية ''الوطن'' بأن مشروع القانون بالشكل الذي طرح ''يعد تراجعا واضحا عن تعهدات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة''، ويلاحظ، سلوكين متضادين بين رئيس وأحد وزرائه في الحكومة ''كأن الإصلاحات السياسية الموعودة في وادي وما يأتي به وزير الاتصال في وادي آخر''. ويتساءل مطاوي إن كان الأمر يعني وجود مركزي قرار داخل السلطة ''هل أحد المركزين يريد إصلاحات سياسية والمركز الآخر يقف في طريقها''، لكن المتحدث لا يحبذ هذه النظرية فيقول ''لا أعتقد بأن الوزير ناصر مهل يطرح مشروعا دون استشارة الرئيس، لذلك فيمكن أن نتحسس أن وعود بوتفليقة كانت مجرد مناورة لإعطاء انطباع بأن هناك إصلاحات في الجزائر، حيث لم يتغير شيء منذ خطابه في أفريل''. محمد إيوانوغان نحن في حاجة للانتقال إلى مرحلة اللاقانون للإعلام يرى محمد إيوانوغان، رئيس تحرير يومية ''وقت الجزائر''، أن قطاع الإعلام في الجزائر في حاجة إلى تحرير وليس إلى قانون جديد يخلف قانونا لم يطبق أصلا، والتحرير ''يعني الحق في النشر والطباعة لجميع الجزائريين''. ويذكر ''السلطة تروج لتعديل قانون ,90 هل طبقته أصلا؟ نحن في حاجة للانتقال إلى مرحلة اللاقانون للإعلام كما في الدول المتقدمة في مجال الحريات وتطبيق باقي القوانين على المهنة، التجارية والاقتصادية وتقييدها بقانون أساسي للصحفيين كباقي المهن''. طارق حفيظ قانون الإعلام المستقبلي هو قانون عقوبات آخر يوضح الصحفي طارق حفيظ من يومية ''لوسوار دالجيري''، أن المسودة الأولية لمشروع قانون الإعلام توحي بأن ''قانون الإعلام المستقبلي هو قانون عقوبات آخر لكنه معد خصيصا لمهنيي الصحافة''، وتابع الصحفي طارق حفيظ قائلا: رغم أن عبد العزيز بوتفليقة بدا لي أنه كان قد التزم برفع التجريم عن فعل الصحفي''. حسان وعلي المقاربة القمعية تطغى على المشروع ينعت الصحفي حسان وعلي من يومية ''الوطن'' المشروع ب''الذي تطغى عليه المقاربة القمعية''، لذلك فإن ''نظرة الأجهزة الحاكمة لملف الحريات لم يتغير، ما يجعلها -رغم الوعود- تصر على مصادرة الحريات السياسية والاجتماعية والنقابية والبداية من الحريات الإعلامية''. وعلى أساس خطوة وزارة الاتصال التي طرحت مشروعا يجرم الصحفيين، يعتبر حسان وعلي أن خطاب الرئيس بوتفليقة في أفريل حيث وعد برفع التجريم عن الجنح الصحفية ''تبين أنه كان مجرد ذر للرماد في العيون وموجه للاستهلاك الخارجي''.