مراجعات حرب أكتوبر واغتيال السادات ورفع الرقابة عن الكتب الممنوعة المكتبات تتخلص من كتب التطبيل لنظام مبارك وتكشف تاريخه المخفي - كشف جرائم أمن الدولة وقصص التعذيب وفضائح عصابةالتوريث وفساد الوزراء لم تكد ثورة 25 يناير تنهي أيامها الأولى، حتى كانت عشرات الكتب والمؤلفات التوثيقية في طرقها إلى المطابع، ولم تمر أيام قليلة عن سقوط نظام مبارك المخلوع، حتى وجد المصريون في المكتبات وفي الأكشاك الكثيرة المنتشرة في أرصفة ومكتبات القاهرة ومختلف المدن المصرية عشرات الكتب التي تؤرخ للثورة وتسرد يومياتها، وأخرى توثق لجرائم وفظائع النظام السابق ورجالاته وأجهزته، وتفصل في قصص التعذيب والإرهاب، وأخرى تنشر غسيل رجالات الحكم وأجهزة الدولة، إضافة إلى كتب تراجع أوراق التاريخ وتعيد النظر في مسلمات أحداث سابقة، خاصة مع زوال مقص الرقيب. زلزلت الأرض زلزالها في أرض الكنانة، وأخرج المصريون أنفاسهم التي كتمتها مباحث أمن الدولة لأكثر من 30 سنة، وألقت المكتبات بأثقال من الكتب التي كانت تطبل لنظام مبارك، وتحسب حسناته، وتعد مكاسبه وإنجازته إلى المزابل أو المخازن على الأقل، وخرج الكتاب والمثقفون والصحفيون المصريون من لحظة الدهشة التي انتابتهم خلال وعقب ثورة 25 يناير، وبدأوا إصدار الكتب التي توثق ليوميات الثورة وميدان التحرير، وحبلت المكتبات بكثير من الكتب التي يقول المراقبون في مصر إنها تفوقت للمرة الأولى على الكتب الإسلامية وكتب الإثارة السياسية والسير الذاتية والروايات الأدبية التي كانت تصنع المشهد الثقافي والكتب في مصر. بصور مرعبة لمعتقلين إسلاميين وهم تحت التعذيب، ومعتقلون يجرجرون في الشارع وفي ساحات المعتقلات، اختار الكاتب عبد المؤمن المحمدي أن يكون غلاف كتابه الموسوم ب''حبييب العادلي سفاح المصريين''، يتناول فيه عددا من الجرائم التي ارتكبها وزير الداخلية المصري السابق، والذي تجري محاكمته بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة، وكذا كيفية عمل جهاز مباحث أمن الدولة الرهيب، والذي يصفه الكتاب بأنه آلة جهنمية. ويخلص الكاتب في النهاية إلى أن إعدام العادلي هو وحده القصاص العادل الذي يعيد الحق لعائلات الشهداء، كما كتب عبد المؤمن المحمدي كتاب ''طرة لاند.. سقوط عصابة التوريث'' تناول فيه اليوميات الأولى لعصابة مبارك في سجن طرة. ويتناول كتاب ''حبيب العادلي ومافيا أمن الدولة'' للكاتب فوزي الربيع جرائم وزارة الداخلية، ويعتبر الكاتب أن مؤلفه هو بمثابة الكتاب السري لوزارة الداخلية، ويكشف فيه طرق التعذيب التي كانت تستعملها وزارة الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة ضد الإسلاميين والمعارضين السياسيين والناشطين الحقوقييين، ويقدم وثائق وشهادات لهذه الجرائم، كما أصدر الكاتب فوزي الربيع كتابين آخرين عن الحركات الإسلامية ودورها في ثورة 25 يناير، وعن العائلات السياسية التي تحكم بعض الدول ومن بينها مصر. وأصدر الصحفي المعروف ببرنامج ''قلم رصاص'' سابقا في قناة دبي، المعارض عبد الحليم قنديل دفترين ''الرئيس البديل''، يقدم في الأول الظروف والمناخ الذي وفر للثورة المصرية عوامل النجاح، وأسباب انفجار الشارع المصري، ويرسم في الثاني صورة أولية للرئيس البديل الذي سيحكم مصر بعد مبارك، كما أصدر ''أيام مبارك الأخيرة'' تناول فيه الأيام الأخيرة للثورة المصرية وكيفية سقوط مبارك. وكتب عصام عبد الفتاح عن ''سقوط الطاغية'' وانتهاء دكتاتورية مبارك، ويتطرق إلى يوميات 18 يوما من الثورة الشعبية في مصر، ونشر عصام عبد الفتاح كتابا آخر بعنوان ''هؤلاء سرقوا مصر'' يتناول فيه وضع مصر خلال 30 عاما من الفساد واختلاس المال العام ونهب ثروات البلد وخيرات الشعب، ويستعرض الثراء الفاحش لنجلي مبارك علاء وجمال مبارك الذي كان يشغل منصب أمين السياسات في الحزب الوطني الحاكم، وعاطف عبيد رئيس الوزراء السابق ووزير الإعلام السابق، وأنس الفقي ووزير الإسكان، ومحمد سليمان أمين التنظيم في الحزب الحاكم وصاحب شركات الحديد أحمد عز، ووزير الصناعة محمد رشيد، ورئيسي مجلس الشعب المصري فتحي سرور، ويصف الكتاب هؤلاء بأنهم شكلوا أكبر مؤسسة فساد في التاريخ المعاصر في مصر، وكتب حمادة أمام كتابا عن ''سقوط عصابة التوريث'' التي كانت تسعى إلى توريث جمال مبارك لحكم مصر. تصحيح أوراق التاريخ وتورط مبارك في اغتيال السادات وأتاح سقوط نظام مبارك الفرصة أمام عدد من الكتاب والمؤرخين إلى مراجعة بعض الأوراق التاريخية، وكذا تلك المتعلقة بأحداث سابقة، حرص النظام السابق في مصر على إخراجها بالشكل الذي يخدم مبارك، كحرب أكتوبر 1973 التي كانت تسوق على أن أبرز عوامل الانتصار في حرب العبور، هو نجاح الضربة الجوية التي نفذها مبارك بصفته كان مسؤولا عن سلاح الجو في الحرب، إضافة إلى حادثة اغتيال الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في السادس أكتوبر,1981 والتي صدر بشأنها كتابان، الأول للمؤلف عصام عبد الفتاح تحت عنوان ''مبارك واغتيال السادات'' يتطرق إلى فرضيات ووقائع تشير إلى تورط مبارك في تصفية السادات من أجل الاستيلاء على الحكم، والثاني للكاتب شوقي خالد بعنوان ''من قتل السادات.. وهل لمبارك يد في ذلك؟''، إلى سلسلة من التصريحات والوثائق والمعلومات حول وجود يد لمجموعة محسوبة على مبارك الذي كان نائبا للرئيس السادات، في تصفية هذا الأخير، كما نشر شوقي خالد في كتابه ''أسرار ووثائق ومعلومات لأول مرة''، تدفع باتجاه هذا الاتجاه. كما يستند الكتابان إلى المطالب التي يتمسك بها المحامي طلعت السادات أحد أقرباء الرئيس السادات، بضرورة إعادة التحقيق في اغتيال السادات ويشكك في الرواية الرسمية، كما نشر كتاب اعتماد خورشيد بصفتها الشاهدة على انحرافات صلاح نصر مدير جهاز المخابرات المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وتعد مذكرات الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي، قائد العبور في حرب أكتوبر 1973، في الفترة الأخيرة أكثر الكتب رواجا، خاصة وأن إعادة طبع وتوزيع هذه المذكرات، جاءت مباشرة بعد وفاة الفريق الشاذلي ليلة تنحي مبارك من منصبه، كما أن منع طبع وتوزيع هذه المذكرات في مصر لفترة فاقت 30 سنة، من قبل الرئيس السادات وبعده من قبل مبارك، والقيمة التاريخية للوثاق والصور التي حوتها، ساهم في رفع مبيعاتها في مصر، وتعرض هذه المذكرات إلى جانب مذكرات الفريق عبد الغني الجمسي عن حرب أكتوبر. وكتب محمد الباز كتابا باسم ''زعماء وعملاء'' يكشف فيه الصورة الحقيقية للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، كرئيس يعمل لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويخدم الأجندة الإسرائيلية في المنطقة العربية، كما نشر حمادة إمام كتابا يكشف فيه عن قصة تنكيل نظام مبارك بعدد من الفنانين والوزراء والمسؤولين العسكريين الذين عارضوا سياساته وكذا أساليب التضييق عليهم، لإجبارهم على إخفاء فضائح رجالات النظام السابق. وللتاريخ أيضا أصدر عمر أمين ''مصر والمصريين في عهد مبارك''، تطرق فيه إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المصريون في عهد النظام البائد، كانتشار الفساد والأمراض والمواد الفاسدة، وأزمة السكن والفقر، إضافة إلى القمع والتنكيل بالمعارضين، كما يشرح محمود خليل في كتابه ''كيف ثار المصريون'' الأسباب والدوافع العميقة التي دفعت المصريين إلى تخطي حاجز الخوف من النظام والثورة عليه ويسترجع سامي كمال الدين تفاصيل ''ليلة سقوط الرئيس''. الثورة والفايسبوك وكتب مبارك إلى المزبلة حرص الكثير من المثقفين والصحفيين المصريين على توثيق يوميات الاعتصامات المليونية التي كانت تنظم في ميدان التحرير، وتسرد كيف عاش الثوار يومياتهم في مواجهة القمع والعنف والقتل الذي كانت تمارسه قوات الأمن المركزي وقناصة وزارة الداخلية، وأخذت بعض الكتب من هذا النوع شكل الروايات والقصص السردية، وكتب محمد البيه ''أيام وليالي التحرير''. وأصدر الكاتب محمد الشماع كتاب ''أيام الحرية في ميدان التحرير'' سرد فيه يوميات الثوار في الميدان، وكيفيات مقاومتهم للقمع. كما سجل أحمد عمار يوميات الاعتصامات في ''أيام التحرير''، وفي نفس السياق أصدر وائل لغرياني ''25 ميدان التحرير''، ونشر أحمد عمار ''أيام التحرير'' وإبراهيم عبد المجيد ''لكل أرض ميلاد''. وناقش إبراهيم مختار ومحمد أحمد أمين في كتاب ''ثورة بلا قائد'' مسألة قيادة الثورة وعفويتها والقيادة الجماعية لها من قبل تكتلات شبابية وقوى سياسية اتفقت مبدئيا على إسقاط النظام كعنوان كبير، كما تطرق ناقش محمد سادي في ''ثورة كوم'' تأثيرات ثورة الأنترنت والفايسبوك على مجريات الثورة في مصر، وكيف ساهمت الأنترنت في فضح النظام المصري، وزيادة الضغط الداخلي والخارجي عليه. ومع هذا التدفق في كتب ما بعد الثورة، اضطرت المكتبات إلى إلقاء العشرات من الكتب والمؤلفات في المخازن بسبب حالة الركود، ورفض القراء بقائها في الرفوف، ويقول صاحبا مكتبة تقع قبالة مسجد الحسين إن هناك مثلا سلسلة من الكتب تدخل في إطار حملة ''القراءة للجميع'' والتي كانت تقودها سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع، وكتبت بنفسها كلمة في الصفحة الأخيرة لكل الكتب التي طبعت في هذه الحملة، بات يرفض القراء شراءها بسبب وجود صورتها وكلمتها، رغم قيمتها المعرفية والعلمية، ويقول المتحدث ''هذا الكتاب يحكي حياة الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا، لكن الكثير من القراء يرفضون شراءه بسبب صورة وكلمة سوزان مبارك، وطبعه بأموال المؤسسة التي كانت تشرف عليها''. ويقول عامل في مكتبة الشروق القريبة من ساحة طلعت حرب، إن المكتبات الحكومية أو تلك المقربة من دوائر النظام السابق هي الأكثر تضررا، على اعتبار أنها اضطرت إلى توقيف بيع أطنان من الكتب والعناوين الدعائية لصالح النظام السابق، أو رميها في المخازن، ويقول محمد العامل في مكتبة مدبولي إن كتب الثورة بدأت تتصدر الرفوف، وكثر الطلب عليها، خاصة مع زوال الرقابة التي كانت تمزق أوراق الحقيقة. ما حز في نفسي أن الجزائريين الذين مروا بتجارب ثورية مماثلة لمصر، كالربيع الأمازيغي 1980، وأحداث 5 أكتوبر 1988، ومرحلة الإرهاب بكل قسوتها، لم يكتبوا ولم يوثقوا لهذه التجارب، ولم يحيطوا بها في الكتب، ولم يبقوا أوراقا للتاريخ.