كشفت تدخلات رؤساء جمعيات المجتمع المدني، في اليوم الثاني من الجلسات التشاورية الجهوية حول التنمية الوطنية، التي شهدتها مدينة باتنة أول أمس، عن عمق الشرخ القائم في العلاقة بين مختلف فئات المجتمع والإدارة المحلية. وقد صب ممثلو الجمعيات في ولايات باتنة، خنشلة، وبسكرة وأم البواقي، جام غضبهم على السلطات المحلية التي جعلت منهم، حسب أحد المتدخلين، جمعيات ''للحماية المدنية'' يستنجدون بها لإخماد غضب مختلف الفئات المحرومة، حينما تثور ضد الانحرافات وتجاوزات السلطة المحلية، كما تستغلها أيضا، حسب تعبيرهم، كواجهة ''للتطبيل والتزمير'' في المناسبات المختلفة، ما أدى إلى تصنيفها بين جمعيات مطيعة تحظى بالدعم المالي والمعنوي، وأخرى تعد مارقة مصيرها عادة التهميش والإقصاء. وأمام مرأى رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، الذي بهت مما سمع من تدخلات جريئة ودقيقة وصادقة، رغم أن أحد المشاركين فاجأه بالقول ''إن هذه الجلسات لا تعدو أن تكون فضاء لامتصاص شحنة كبيرة من مظاهر الرفض والاحتجاجات التي تعيشها فئات اجتماعية كثيرة مهمشة، نتيجة فقدانها لكل أمل في انتزاع حقوقها، سواء في مجال السكن الاجتماعي أو الاستفادة من البناء الريفي، أو ما تعلق بالقروض الاستثمارية لفائدة الشباب، مرورا بقضايا التشغيل التي أجمع المتدخلون على أنها تقسم في شكل غنائم على المقربين من المنتخبين والمسؤولين المحليين في وضح النهار. كما تساءل أحدهم عن جدوى نتائج هذه الإفضاءات والشكاوى والتظلمات، وحتى المقترحات، ما دامت الكثير من قوانين الإصلاح قد تم إعدادها سلفا، وبعضها بصدد المناقشة أمام البرلمان، ومن بينها قانون الجمعيات المدنية، حيث طالب الكثير من المتدخلين بتعديله بصفة جذرية، بما يحقق الاستقلالية الكاملة للجمعيات عن الإدارة والأحزاب وضغوطهما. أما عن ملاحظات ومشاهدات الجمعيات لمسار التنمية المحلية، فقد أكد الكثير منهم، بالأدلة والأمثلة الواقعية، حجم الفساد السائد في توزيع المشاريع على مستوى البلديات والولايات، والذي يبرز، كما قالوا، في نوعية الأشغال المنجزة، والتي وصفوفها بالرديئة وغير المطابقة للشروط التقنية في غياب المتابعة من أجهزة الرقابة المختلفة، كما تحدثوا عن بناء مشاريع لا تحمل أي جدوى اقتصادية أو اجتماعية، ولا يرجى منها أي فائدة للمواطنين، خاصة في المناطق الريفية كمحلات الرئيس التي بنيت في كافة البلديات في أماكن نائية لا تصلح، كما قال أحدهم، حتى كاسطبلات للحيوانات، فما بالك بالنشاط الحرفي والتجاري، دليهم في ذلك أن تسعين في المائة من المحلات التي تم توزيعها لا تزال مغلقة، أو إنها أصبحت أوكارا للمنحرفين. وفي المقابل لا تزال الكثير من البلديات في أمس الحاجة إلى مشاريع التهيئة العمرانية وتوفير المياه وإقامة المنشئات الثقافية والرياضة التي أقيم بعضها، إلا أنها تظل موصدة الأبواب منذ سنوات من بنائها.