رغم نجاح السلطة في تمرير قوانين الإصلاحات التي بادرت بها على خلفية الثورات العربية، فإن أهم اختبار بالنسبة للشركاء في الخارج منتظر في منعرج مجريات الانتخابات التشريعية المبرمجة في الربيع المقبل، للحكم على صدق النوايا والحصول على شهادة حسن السلوك. وهو وراء التطمينات التي أطلقها رئيس الجمهورية بأن الاستحقاقات القادمة ستكون في كنف ''ديمقراطية غير مسبوقة''. لم يهتم شركاء الجزائر في الخارج، على غرار واشنطن وباريس، بمشاريع قوانين الإصلاحات ال 6 التي صادق عليها البرلمان، بقدر اهتمامهم ومتابعتهم للكيفية التي ستجري بها الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك على خلفية التغييرات التي وقعت في كل من تونس والمغرب ومصر، حيث صعدت قوى سياسية جديدة، خصوصا من الإسلاميين على حساب تراجع القوى السياسية التقليدية. وتكون وضعية تواجد الجزائر ''تحت المجهر'' بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يربطه اتفاق شراكة سياسي واقتصادي، وراء الرسائل التي أطلقها عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع مجلس الوزراء، سواء بالنسبة لقادة الأحزاب السياسية في الداخل أو تلك الموجهة إلى المتعاملين مع الجزائر في الخارج، حيث طمأن الرئيس بتوفير الضمانات القانونية لشفافية الاقتراع المقبل، واستجاب لمطلب حضور مراقبين دوليين لمتابعة مجريات الانتخابات التشريعية المقبلة، وهو مطلب طرحته بعض أحزاب المعارضة. كما وعد الرئيس بتوسيع المشاركة السياسية من خلال تلميحه إلى فتح المجال لاعتماد أحزاب جديدة. لكن في المقابل، يحاول الخطاب الرسمي استبعاد تكرار سيناريوهات ما جرى في الانتخابات لدول الجوار، من هيمنة الإسلاميين عليها، من منطلق أن تجربة الجزائر لن تكون مستنسخة من غيرها، وهو ما سبق إليه عبد العزيز بلخادم، الأمين العام للأفالان والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، الذي بعث برسالة لمن يهمه الأمر أن ''الحراك السياسي الذي يثيره البعض يفسر على أن أصحابه يعتقدون بأن ما يحدث حولنا من صعود قوي للإسلاميين هو مقدمة لما ستعرفه الجزائر في انتخاباتها''، مرجحا ألا تتعدى نسبة فوز التيار الإسلامي 35 بالمائة. وهو نفس الخطاب الذي ردده شريكه في التحالف الرئاسي، الأرندي حزب الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي ذكر عضو مكتبه الوطني صديق شهاب، في رفضه لتكرار سيناريو تونس والمغرب، بأن الجزائر ''عاشت الظاهرة في 1991 في ذروة تعطش الشعب للديمقراطية، لكننا اليوم في حاجة لعمل جواري وتحسيسي، دلالة على الإصلاحات وإقناع المواطن بضرورة المشاركة وجدوى حسن الاختيار''. غير أنه بين استبعاد أحزاب السلطة لفوز الإسلاميين شبيه بما وقع في دول الجوار، وبين مطالبة الشركاء في الخارج بضرورة أن تكون الانتخابات المقبلة في الجزائر ''فوق كل الشبهات''، من حيث الشفافية والنزاهة والحرية في الاختيار، فإن السلطة مجبرة أكثر من أي وقت مضى بتجسيد التزاماتها الدولية في عدم ''التلاعب'' بالاقتراع، لأنه إذا تم ''تغميض'' العين، على مشاريع القوانين الخاصة بالإعلام والجمعيات والأحزاب والانتخابات، التي مررت رغم عيوبها الكثيرة بمنطق عددي وليس بتوافق سياسي، فإن المساس بمصداقية الانتخابات سيكون بمثابة القطرة التي ستفتح ثغرة التدخل الخارجي وستقسم ظهر السلطة.