ما يجري حاليا من سجال ونقاش سياسي حول الانفتاح الديمقراطي الجديد، والانتقال إلى عهد قريب من الجمهورية الفاضلة، لا يمكن إلا أن يكون أضغاث أحلام. فالحرية والعدل لا يولدان من رحم النصوص الصماء ومن حسابات الساسة في الصالونات المكيّفة، خاصة إذا ارتبطت السلطة بالمال واقترنت بتوزيع الثروة التي قلبت سلم القيم في المجتمعات المتخلفة، فمن ينتظر المعجزة، فإنه سيعيش الوهم طويلا، لأن نفس المقدمات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى ذات النتائج. ففي بلادي التي كرست منطق الشرعيات الثورية التي تحولت لشرعية الثروة وتقاسم الريع لخمسين سنة خلت، وبنت بذلك شبكة تحالفات قائمة على تقاسم الامتيازات الناتجة أصلا عن هذا الريع، لا يمكن أن تنقلب سلطة على نفسها وتقوّض ما تم تحقيقه طيلة نصف قرن من الزمن، وكما يقول الرئيس الأمريكي الأسبق، توماس جيفرسون، لقد أظهرت التجربة أن أولئك المؤتمنين على السلطة قد حرّفوها مع الوقت وبعمليات بسيطة حوّلوها إلى الطغيان حتى في أفضل أشكال الحكومة. فالعبرة ليست في النص المجرد الذي يمكن أن يصاغ على أفضل الأشكال، بل في كيفية تجسيد النص على أرض الواقع، لأن القاعدة تقول إن العدل هو أساس الملك، وأن كل سلطة مطلقة مفسدة مطلقة، على حد تعبير اللورد أكتون، وكما كان يقول أبراهام لينكولن باستطاعة كافة الرجال تقريبا تحمّل المحنة، ولكن إذا أردت أن تختبر شخصية الرجل أعطه السلطة. إن إيهام الناس بالتغيير بنفس الآليات والشروط القائمة وذات القواعد والأسس التي سارت عليها الدولة الجزائرية منذ نصف قرن، يضع الأمر في خانة التلاعب بالعقول وبيع الأوهام ليس إلا، فإذا ظل منطق الوصاية على شاكلة لا أريكم إلا ما أرى، والتي تختزل مقولة شهيرة للملك لويس الرابع عشر ''أنا الدولة والدولة أنا''.. فكيف يمكن لسلطة تجذرت وتشعبت خيوطها وامتدت شبكاتها وضمنت شرعيتها بفضل منطق الولاء أن تشرّع لمسار يخرجها من دائرة الحكم الذي يعني المصالح والامتيازات والجاه والثروة، وكما يقول الفيلسوف الإغريقي أرسطو في الديمقراطية يمتلك الفقير سلطة أكبر من الغني، لأن الفقراء أكثر عددا، وهنا لا مكان للفقير، لأنه لا يمتلك وسيلة التأثير والنفوذ، وهي المال، ولكن تعالج السلطة الأمر بمنحه مجالا للتنفيس، والتعبير عما يشاء وليقول ما يريد والسلطة تقوم بما تشاء وتريد، لأن النتائج بخواتمها، والسلطة حسمت أمرها منذ زمن بعيد وتسير دون ضجيج لتكريس منطق التدجين والاستحمار، على حد قول علي شريعتي، وكما يقول الجنرال الرئيس شارل ديغول الصمت هو أقوى أسلحة السلطة.. والواهم من ينتظر أن تقدم له السلطة على طبق. [email protected]