إنّ المرء قد يعتريه الغضب في خضم معاملته مع النّاس، فإذا لم يضبط المسلم معاملته ونفسه، قد يتحوّل ذلك الغضب إلى حقد وحسد وغيرهما. يقول العلماء إنّ الحقد قد ينشأ عن نوع معيّن من أنواع الغضب، فأنت قد تغضب على إنسان ثمّ تعفو عنه وتسامحه وتصفو له نفسك، فلا تحقد عليه، وقد تغضب على آخر فتنتقم منه، فلا يكون في نفسك حقد عليه بعد أن شفيت غيظ قلبك وثأرت لنفسك ممّن أغضبك، وقد تغضب على آخر فلا تقدر على مسامحته والحلم عليه، لأنّ الحلم يكون عند القُدرة على الانتقام، وهذا إنسان لا تقدر على أن تنتقم منه لأنّه أقوى منك، فتضطرُّ حينئذ أن تحتقن الغيظ داخل نفسك، وأنت يغلي قلبك من ألم الغضب الدفين فيه، ويظلُّ هذا الغضب الدفين يتحرَّك ويشتغل كلّما رأيت هذا الإنسان أو ذُكر اسمه على مسمعك أو تذكّرت أفعاله وأقواله الّتي أغضبتك، هذا هو الحقد، لذا قالوا: ''الحقد هو إمساك واختزان العداوة والغضب في القلب''، حتّى تسنح فرصة الانتقام. وهو مرض خطير، له آثاره المدمّرة في نفس الحاقد، وإن كان معذوراً فيه أحياناً، لأنّه يُشغل القلب ويُتعب الأعصاب ويُقلق البال، وقد تظلم الحياة في وجه الحاقد، وتضيق الدنيا في وجهه على سعَتها، وتتغيَّر معاملته اللّطيفة لأهله وأولاده وإخوانه. والحقد ليس غريزة، لذلك يمكن علاجه والتخلُّص منه، بسلامة الصدر، وتصفية النّفس عن طريق التعمُّق في الإيمان، والانشغال بما يجب عملهُ من خير، والتجاوز عمّا يصدر عن النّاس من شرّ، وإقناع النّفس بالصّفح والعفو والإحسان كما قال تعالى: {خُذ العَفْوَ وامُرْ بالعُرْف وأعرِض عن الجاهلين}، أي تقبَّل ما تيسَّر من أخلاق النّاس وامُرهم بالمعروف شرعاً، وأعرض عمّن سفَّه عليك. بل أمرتنا الشّريعة الإسلامية أن نقابل السيِّئة بالحسنة كما قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السّيِّئة إدفَع بالّتي هي أحسَن فإذا الّذي بينَك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ}. جاء في الحديث الّذي رواه مسلم من طريق عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأشجِّ عبد القيس: ''إنّ فيك خصلتين يُحبُّهما الله: الحِلم والأناة''. وخير للمسلم أن يرفق بالنّاس جميعاً، مَن أحسن منهم ومَن أساء، لينال ثواب الله ورحمته وعفوه، وليحيا في نفسه ومع ضميره حياةً طيّبة مستقرة صافية. ولذا، قال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه مسلم من طريق السيّدة عائشة رضي الله عنها: ''إنّ اللهَ رفيق ويُحبّ الرّفق ويُعطي عليه ما لا يُعطي على العنف''. مع العلم أن الحقد غير البغض، لأنّ الحقد استقرار البغض في النّفس نتيجة العجز عن الانتقام والتّشفي، وأمّا البغض فتنافر بين نفسك ونفس مَن تبغضه، وقد يكون دون أدنى سبب. وهو أيضاً عاطفة وليس غريزة، وفيه ما هو حسن إن كان لله، وما هو مباح، وما هو قبيح مذموم. لذا، لابدّ أن نُخرج الحقد من قلوبنا، لأنّ قلوب المؤمنين لا يسعها إلاّ محبّة الله ورسوله والمؤمنين. إمام مسجد ابن باديس الجزائر الوسطى