ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ الله سبحانه وتعالى حين تفضَّل على خلقه في الأرض فأرسل إليهم رسوله الخاتم سيّدنا محمّداً صلّى الله عليه وسلّم بقرآن معجز إلى يوم الدِّين، جمعت فيه كلّ أسرار الكتب السّماوية والصحف المقدّسة السّابقة الّتي أنزلت على آدم وشيث وإبراهيم وموسى وداود وعيسى على الجميع الصّلاة والسّلام... كان ذلك بعد أن مَرَّت فترة طويلة على إرسال مَن سبقُوه مِن الرُّسل.. ومعنى ذلك كما جاء في السِّيرة النّبويّة للإمام محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، أنّ منهج الله كان قد نسيه النّاس وحرّفوه. والله خلق الضمير إيمانياً في كلّ نفس بشرية.. وحين تسرف نفس على نفسها وترتكب المعاصي، يهيج الضمير الإيماني من داخلها، فهناك مَن يتوب ويرجع إلى الله تعالى من ذات نفسه بضميره الإيماني وتلك هي النّفس اللّوامة.. ومعنى وجود اللّوم في النّفس أنّ الإيمان مازال موجوداً فيها يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.. وهذا الإيمان هو الذي يوقف المعصية مع الصبر الكافي ويرد صاحبه رداً جميلاً إلى الطريق الصّحيح. والنّفس اللّوَامة هذه هي الّتي ورد ذكرها في القرآن الكريم حين أقْسَم اللهُ تعالى بها في سورة القيامة فقال: {لاَ أُقْسِمُ بيَوْمِ القيَامَة وَلاَ أُقْسِم بالنَّفس اللَّوَامَة..}، وذلك أوّلاً لإثبات المعاد والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بعث الأجساد كما قال الإمام ابن كثير رحمه الله. وأمّا النّفس اللّوامة فقد روى عن الحسن البصري رحمه الله وهو سيِّد التّابعين الكرام والصوفية الملتزمين في هذه الآية الكريمة، أنّ المُؤمن والله ما نراه إلاّ يلوم نفسه: ما أردتُ بكلمتي، ما أردتُ بأكلتي، ما أردتُ بحديث نفسي، وأنّ الفاجر يمضي قدماً قدماً، ما يعاتب نفسه...