كشفت العواصف الثلجية التي تساقطت على العديد من المناطق والمرتفعات، عن تراجع ثقافة ''الادّخار'' لدى سكان الأرياف، حيث نفدت المؤونة من بعض البيوت في ظرف قصير. أوعز بعض كبار السن من سكان ولاية جيجل ممن تحدثنا إليهم، هذا التراجع في الادّخار إلى التغيرات التي طرأت على النظام المعيشي لدى غالبية العائلات، حيث أصبح الكثير من السكان يعتمدون على الاستهلاك السريع، ويفضلون اقتناء المواد الأساسية يوميا وبكميات قليلة، بحكم توفر كل قرية أو مشتة على متاجر تضمن تزويدهم بما يحتاجونه، وكذا توفر وسائل النقل والاتصالات. فيما برّر البعض ذلك بالتغيرات المناخية التي أصبحت سائدة، والتي أدت إلى تراجع قساوة فصل الشتاء خلال السنوات الأخيرة على ما كانت عليه من قبل. وقال عمي العربي الذي ينحدر من بلدية بني ياجيس: ''كنا في القديم ندخر كل المواد الغذائية الأساسية، من سميد وشعير وزيت وحتى اللحم المجفف، أو ما يعرف ب''القديد''، قبل دخول فصل الشتاء، ونستخدم دهاليز للحفاظ على هذه المواد، على أن نقوم بإخراجها في مثل هذه الأوقات الصعبة''. في حين ذكر الشيخ محمد بأن كل سكان المناطق الجبلية كانوا يدخرون كميات من المؤونة، أو كما فضل تسميتها ب''العولة'' التي تكفي لاجتياز شهر كامل في حال حصول أي طارئ أو عزلة. وتحسرت الحاجة ''فاطمة'' على أيام زمان قائلة ''كل شيء تبدل.. كنا نحضر أنفسنا لوقت الشدة.. ونقوم بتخزين حتى الحطب لاستغلاله في التدفئة والطهي''. لكن اليوم كما أضافت ''حتى الحطب لم يجدوه بعد نفاد الغاز، لأن كل شيء مغطى بالثلج''. وأوضح مواطنون من بلديات برج الطهر، الشحنة وتاكسنة، أن المؤونة نفدت لديهم في وقت قصير لم يتعد لدى بعضهم الثلاثة أيام، وهذا راجع لكونهم أصبحوا يفضلون اقتناء المواد الغذائية بكميات قليلة جدا. وفي هذا الشأن، قال الشاب مراد ''في القديم، كان آباؤنا وأجدادنا يحسبون ألف حساب للشتاء، أما الآن، فقد أصبح كل شيء متوفرا، ما جعلنا نتغاضى عن ثقافة الادّخار''. ورغم ذلك، لاتزال ثقافة الادّخار لدى البعض راسخة، خصوصا ما تعلق منها بتخزين الكسكسي المجفف بشتى أنواعه، حيث ذكرت الجدة ''شريفة'' أنها في كل فصل صيف تقوم بتحضير ما مقداره قنطارا من هذه المادة وتخزنها، مضيفة أن هذا يتم بتعاون جميع أفراد العائلة والجيران على شكل ''لمّة''. وهو الحال بالنسبة للمجاهد ''مولود'' الذي قال بأنه يصر دائما على أن يتم الإعداد لفصل الشتاء، قبيل حلوله بثلاثة أشهر، مؤكدا أنه يلح على نقل هذه الثقافة لأبنائه بمن فيهم القاطنين بوسط المدينة، لأنه كما أضاف متشبع بعقلية الثورة.