يثير الاهتمام غير العادي للسلطة بالانتخابات التشريعية 2012، استغرابا لدى الكثير. فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة اعتبر التصويت في 10 ماي المقبل موعدا شبيها بثورة أول نوفمبر. وقال أيضا أن الانتخاب بمثابة وفاء للشهداء. وغالبية المسؤولين يعتبرونها هامة ومفصلية. بعض المراقبين يفسرون ذلك بكون ما بقي من مصداقية للسلطة أمام شركائها الأجانب على المحك. فغير مقبول أن تفشل الجزائر في إنجاز تصويت مكثّف، بينما مواعيد شبيهة عرفت نجاحا كبيرا عند الجيران. وفي مقابل هذا الانشغال، تبقى أغلب الأحزاب التي يفترض أن تميّز المشهد السياسي ما بعد ماي، تشتكي من ضيق الوقت للتعريف بنفسها وببرامجها ووجوه مسؤوليها.
الربيع العربي أنجب أحزابا جديدة واستدعاء مراقبين دوليين التشريعيات المقبلة في ميزان التغيير بالثورة أو بالصندوق
رغم أن التشريعيات المقبلة لا هي مسبقة ولا استثنائية، بل هي انتخابات عادية تجري في موعدها القانوني، إلا أنها تحظى ب ''هالة'' غير مسبوقة، على الأقل لدى السلطة والأحزاب، وكأن البلاد ستوضع على ''كف عفريت'' قبل وبعد موعد 10 ماي المقبل. رمت التغييرات التي جرت لدى جيران الجزائر، وما أفرزته من معطيات سياسية وانتخابية جديدة، بظلالها على الراهن الداخلي للبلاد، بحيث سارعت السلطة إلى طرح ''رزمة'' من مشاريع القوانين قالت أنها ''إصلاحات'' سياسية واجتماعية قصد محاصرة امتداد لهيب الثورات إليها. وأفلحت تلك الضغوط في دفع السلطة إلى رفع ''التجميد'' عن اعتماد أحزاب جديدة الذي مارسته لعشرية كاملة، واضطرت وزارة الداخلية إلى تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات، استجابة لمطالب حزبية اشتكت من الغلق ''السياسي والإعلامي''. ومع أن السلطة لم تقدم ''تنازلات'' ملفتة للنظر، بخصوص فتح المجال السياسي والإعلامي، مقارنة بما كان ممارسا من قبل، غير أن رياح ''التغيير'' التي عصفت بأنظمة بن علي ومبارك والقذافي وعبد الله صالح، دفعت السلطة إلى بسط يدها وعدم تركها مغلولة إلى عنقها في تعاملها مع مطالب أحزاب المعارضة، بحيث فتحت الباب لتأسيس أحزاب جديدة في ظرف قياسي، وسلمت وزارة الداخلية وصل بذلك إلى مؤسسيها، بعدما كان الإجراء ضرب من الخيال حتى وقت قريب. وموازاة من قبولها للإشراف القضائي على الانتخابات، بعدما ظلت الإدارة هي الخصم والحكم في المواعيد الانتخابية، وافقت السلطة على استقدام ''مراقبين دوليين''، وهو ما كانت تعتبره منذ سنوات قليلة فقط ''تدخل في الشؤون الداخلية'' للبلاد، كما شجعت المرشحين الأحرار على إعداد قوائم، من خلال تقليص الإجراءات البيروقراطية في عملية جمع التوقيعات، إلى جانب منح أكثر من 17 ترخيص للأحزاب لعقد مؤتمراتها التأسيسية بموجب قانون الأحزاب الجديد حتى يتسنى لها دخول معترك التشريعيات. في مقابل منع رئيس الجمهورية الوزراء من استعمال وسائل الدولة في حملتهم الانتخابية، حتى وإن لم يحدد أي عقاب للمخالفين، أغلقت خزينة الدولة أبوابها وعدم دفع أي مقابل مالي للأحزاب نظير مشاركتها في اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، مثلما كان يجري في المواعيد الانتخابية السابقة، حيث كانت تباع التفويضات وتحولت عملية المراقبة إلى ''بزنسة'' حقيقية من طرف الأحزاب. ويكون هذا الإجراء وراء جزء من ''مصداقية'' موعد 10 ماي المقبل، على الأقل لأنه قطع الطريق أمام التجار السياسيين والأحزاب الموسمية. لكن تبقى كل هذه المعطيات بحاجة إلى من يصدقها في الميدان، مما يجعل التشريعيات المقبلة أمام المحك بين الداعين للتغيير في الجزائر ب ''الثورة'' وبين من يؤمنوا بإمكانية الوصول لذلك ب ''الصندوق''.
بين استمرار الاحتجاجات في الداخل ورقابة الخارج مصداقية السلطة معلقة على ''شفافية الصندوق'' أمام السلطة امتحان عسير، إما أن تنجح في التحول الديمقراطي الحقيقي، بإبعاد شبح التزوير عن التشريعيات المقبلة، فتستعيد مصداقية مفقودة، وإما ترسب في الاختبار، وبالتالي عليها تحمل ''عار التاريخ'' وتبعات ما ينجر عن فشل لا يسكت عنه الشعب، هذه المرة، حتى وإن عزف عن الانتخاب. لم ''يكرم'' الشعب الجزائري، لعدم انسياقه في موجة ''الربيع العربي''، لا من قبل السلطة ولا من قبل الأحزاب السياسية، فالسلطة تبنت إصلاحات ''عرجاء'' تعرف في محطتها ما قبل الأخيرة (التحضير للانتخابات) ارتباكا جليا عجزت من خلاله عن قراءة مسبقة لنتائج الموعد التشريعي، كان سهلا عليها خلال المواعيد السابقة، الإرتباك ذاته لوحظ في ممارسات أحزاب تركت انطباعا بأن كل شيء أمامها ''غامض'' فتحول السجال بينها من سجال سياسي إلى صراع إيديولوجي، بين ''إسلاميين'' و''ديمقراطيين'' لم يحن وقته بعد، بينما أغلب شرائح المجتمع تبحث لها عن مخارج اجتماعية، بعدما طبقت عليها سياسات فاشلة عمّقت الهوة بينها وبين من يحكمها. في الحقيقة، هناك تيارين، واحد يدفع إلى ''التغيير''، من خلال السعي إلى إفشال استمرار ''الحرص السياسي القديم'' المزيج بين أنصار الشرعية الثورية وسلالته ممن نصبوا أنفسهم حماة الجمهورية زمن الإرهاب، وبين أنصار ''الإبقاء على الوضع القائم'' الريعيين، الذين شكلوا كأحزاب ''عصبة'' في السلطة، عاكست الإرادة في الذهاب إلى إصلاحات حقيقية تبين لهم، أنها ستزيحهم من الساحة لصالح قوى جديدة لم تحكم من قبل، لذلك تحارب على أن لا يكون للبرلمان المقبل ''مضمونا تأسيسيا'' يكرس التغيير، حتى وإن شبّه الرئيس بوتفليقة الموعد المقبل ب ''ثورة نوفمبر'' ومعلوم أن الثورة نتاجها ''بيان'' قطيعة مع الماضي. الفيصل بين التيارين، سلطة في مواجهة امتحان ''شفافية الصندوق''، نجاحها معلق على توفير ضمانات حقيقية.. حاليا، لم ترق للأحزاب المعارضة، على الأقل بالنسبة للحكومة التي رفض الرئيس بوتفليقة تغييرها، مفضلا تقييدها بالمراقبة القضائية، رغم أن القضاء تابع للإدارة بمفهومها الشامل، طالما لم نكرس بعد مبدأ الفصل بين السلطات، علاوة على مطلب تطهير القوائم الانتخابية ''المضخمة'' وتسليمها للأحزاب، وحياد وسائل الإعلام العمومي، وغيرها، بالإضافة إلى ''ضغط'' الداخل، الجزائر الدولة الوحيدة مغاربيا، محل اهتمام، تحول إلى مراقبة ''خارجية'' ثم إلى ضغط داخلي، يقع على الجميع، أحزاب وسلطة تحمل تبعاته مهما كانت نتائج الانتخابات. وإن كان الخارج، وخاصة القوى العظمى، لا يهمها ''نزاهة الانتخابات'' بقدر ما يهمها الاحتفاظ بأوراق الضغط والتدخل و''الانتخابات المفبركة'' أهم ورقة تلعب عليها. الجزائر: محمد شراق
الناطق باسم جبهة التحرير الوطني قاسى عيسي ''البرلمان المقبل سيؤسس لعهد جديد''
لماذا توصف الانتخابات التشريعية المقبلة بأنها مفصلية ومصيرية بالنسبة للجزائر؟ زيادة على التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الجزائر وعبّر عنها الرئيس بوتفليقة بقوله أن بلادنا تمر بمرحلة حساسة، فإن هناك سببان رئيسيان لأهمية الانتخابات المقبلة. الأول أنه تاريخي لتزامنه مع احتفال الجزائر بخمسينية الاستقلال، وهذا يعطينا رمزية خاصة لتقييم مسار 50 سنة من الاستقلال، وما تم إنجازه منذ الثورة، الانتخابات المقبلة تعطينا الفرصة أيضا لنتساءل بجدية عما تحقق خلال هذه الفترة من الأهداف التي تضمنتها النصوص المؤسسة للدولة الجزائرية، وفي بيان أول نوفمبر فيما يتعلق ببناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادىء الاسلامية. هل تعتقد أن الانتخابات المقبلة مرتبطة بكونها ستفرز مجلسا تأسيسيا يعدّل الدستور؟ بالتأكيد، النقاش الأساسي سيكون حول الدستور الذي سينبثق عن الانتخابات المقبلة، والبرلمان المقبل ستكون من أولى مهامه، وأول عمل له تحيين وتعميق الدستور وفقا للنصوص المؤسسة للدولة الجزائرية الحديثة، بما يتيح تحديد بوضوح معالم نظام الحكم الذي نتجه إليه وضبط العلاقات الوظيفية بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية وتوضيح المهام والصلاحيات لكل مؤسسة سيادية، بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي نعتقد أنه يجب أن ينبثق من الأغلبية الفائزة بالانتخابات. أهمية التشريعيات أيضا في كون البرلمان المقبل سيكون بمثابة مجلس تأسيسي يؤسس لعهد جديد، من حيث مشاركة المرأة وتعميق الديمقراطية وتكريس الحريات الفردية والجماعية، بمعنى له مهمة تأسيسية لعهد جديد، ولن يتوقف عمله في تعديل الدستور فقط ولكن أيضا في تحيين القوانين وليس بمفهوم المجلس التأسيسي الذي تطالب به بعض الأحزاب السياسية. هل يمكن أن تكون الأحزاب الجديدة هي العامل الأبرز في الانتخابات المقبلة؟ الرئيس وفى بكل التزاماته والأحزاب السياسية الجديد أصبحت واقعا في الانتخابات المقبلة، وقبلها هناك 21 حزبا سياسيا كان ممثلا في هذا البرلمان، وإذا كان البعض يطرح مخاوف التزوير، فإن المسؤولية تقع على الشعب للمشاركة بقوة في التصويت وتقع على الأحزاب في التجنيد والمراقبة، زيادة على دور المراقبين الدولية والاعلام، نحن نعتقد أن اغتصاب أصوات الشعب هو أكبر الجرائم. الجزائر: حاوره عثمان لحياني
الكاتب والناشط السياسي محمد أرزقي فراد السلطة وجدت نفسها أمام مقولة ''مكره أخاك لا بطل''
السلطة وبعض الأحزاب يصفون الانتخابات المقبلة ب''الهامة والفاصلة''، لماذا برأيك؟ نسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات تخدم سياسات السلطة، وتدفع النظام الدولي إلى التفاعل مع النظام السياسي القائم، المنشغل بالرسائل الهاتفية المحفزة على الانتخاب، بدل مساعدة المواطنين الذين تضرروا كثيرا من العواصف الثلجية. وقد يتساءل البعض عن دوافع إصرار النظام على تحقيق نسبة مشاركة عالية فيها، السبب في رأيي أن ذلك سيعطي له مصداقية أمام الرأي العام الدولي، وبالتالي سيتحرر من الضغوط الناجمة عن الربيع العربي. هذا ولا يختلف إثنان، أن الجزائر على عتبة عهد جديد، ليس عن قناعة حكامنا بضرورة التغيير، بل بفضل هبوب رياح الديمقراطية على عالمنا العربي، وعليه فأهل الحل والعقد عندنا، وجدوا أنفسهم أمام مقولة ''مكره أخاك لا بطل''. ورغم ذلك فهم يعملون قدر المستطاع من أجل إفراغ مفهوم الإصلاح من حده الأدنى، عن طريق إتقان سياسة ''ذر الرماد في العيون''. السلطة تقول أنها وفّرت كافة ضمانات اقتراع شفاف ونظيف. لماذا يتم الشك في هذا التعهد؟ إن السؤال الكبير الذي لم أجد له جوابا بعد، هل أشارك في هذه الانتخابات، أم أقاطع؟ إنهما موقفان أحلاهما مرّ. فهناك من جهة أجواء الربيع العربي التي فرضت نوعا من الانفتاح المحتشم، تغري بالمشاركة. لكن غلق المجال الإعلامي وعدم مسايرته للانفتاح السياسي من جهة أخرى، يثبط العزائم. وصحيح أن البرلمان القادم له مهمة سياسية تاريخية، تتمثل في اقتراح مشروع دستور جديد، قد يفتح الآفاق للمشروع الديمقراطي، ويوفر الاستقرار السياسي المنشود، الذي لم تحققه الدساتير السابقة، التي صنعها الرؤساء على مقاسهم. وعليه فالانتساب إليه بالنسبة للساسة الأخيار، واجب وشرف. يرى البعض بأن إطلاق إصلاحات، تصرف ذكي من السلطة لتفادي تغيير حقيقي. ما رأيك؟ الإصلاح السياسي الذي تقترحه علينا السلطة جزئي، ألقي به هكذا دون أخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، إذ كان من المفروض أن تسبقه عملية فتح المجال الإعلامي الثقيل لترويج الخطاب السياسي الجاد الضروري في عملية بناء طبقة سياسية جديدة. في حين أننا نرى أن الإعلام الثقيل الصانع للرأي لا يزال يكرّس ذهنية القطيع، التي تفعل في الرأي العام فعل الرياح في القصب. فضلا عن إجراء هذه الانتخابات في نفس الظروف التي أنجبت في الماضي القريب انتخابات مزوّرة. لهذه الاعتبارات كلها أرى أن الإرادة السياسية للتغيير السياسي الحقيقي، غير واردة في أجندة السلطة القائمة. لذا، فإن موقفي إزاء هذه الانتخابات لم يتبلور بعد. الجزائر: حاوره حميد يس