مثلما يدان العمل الإجرامي يدان تقاعس السلطات في متابعة المتهم وإعادة تأهيله يوضح الباحث الجزائري، صلاح الدين عباسي، المختص في علم الإجرام والضحية والباحث في مجموعة ''إرتا'' لدراسة الإرهاب ومكافحته التي مقرها في كندا، بخصوص حالة الفرنسي من أصل جزائري، محمد مراح، المتهم بقتل يهود في مدينة تولوز الفرنسية، أنه ضحية أزمة هوية غذتها انحرافات سلوكية، وتربية عقيمة جسدها الإعلام الغربي وأعطاها صورة الإرهابي المتطرف. لقد خيمت على الأجواء الفرنسية حالة من الفزع بعد مقتل 3 أفراد من فرقة المظليين الفرنسية، وازدادت حدتها بعد سقوط ضحايا في المدرسة اليهودية في مدينة تولوز، ما هي تبعات الحادثة ؟ مثلما نعتقد، لم يكن وقع سقوط ضحايا في صفوف المظليين الفرنسيين كوقع سقوط ضحايا في المدرسة اليهودية. فالرأي العام، في نظري، كان مهيأ، ما جعله ذا قابلية للخوض في حالة الهوس التي زرعها بعض السياسيين قبل وأثناء حملتهم الانتخابية. وما زاد الطين بلة أن الإعلام الغربي يذكر لحد الآن بأصول المتهم الجزائرية، وهو ما أثار شهية الشخصيات المصابة بالحساسية من كل ما يتعلق بمواضيع الأجانب والإسلام في فرنسا. من يكون محمد مراح من الزاوية النفسية في رأيكم ؟ شخصيا، لاحظت تشابه حالة محمد مراح في الكثير من الجوانب مع شخصية أخرى تابعت تفاصيلها، ويتعلق الأمر بزكريا موساوي، الفرنسي ذو الأصول المغربية والمتهم في أحداث 11 سبتمبر .2001 الفرق الوحيد أن زكريا واصل دراسته الجامعية وليست له سوابق ولم يرتكب أي عمل إجرامي، على خلاف مراح، لكن الاثنين أراهما صناعة غربية إعلامية واجتماعية، وليست إسلامية كما يدعي البعض. فتركيبتهما النفسية تطبعها أزمة هوية غذتها انحرافات سلوكية، ورسختها تربية عقيمة جسدها الإعلام الغربي وأعطاها صورة الإرهابي المتطرف. فهو من الشباب الذين، بحكم عدم صلابة تربيتهم، أصبحوا كاللوحة التي يرسم عليها الإعلام السياسي ما يريد، فإن قمت بوصفك منذ طفولتك بأنك مجرم إرهابي دون أن تكون لك بنية نفسية سوية، مع مرور الزمن ستتقمص هذه الأوصاف، وأجعل منك ما أريد. وأشير إلى أن المتهم لا يملك حتى تربية ولا دراية دينية، والأدلة كثيرة، وليس لديه سوى أن يكون ما يريد الإعلام منه أن يكون. هل تعتقدون أن هذا العمل الإجرامي كان بالإمكان تفاديه ؟ نعم وبالطبع، فكما يدان هذا العمل الإجرامي يدان تقاعس السلطات التي كانت تعلم بسفره إلى أفغانستان وباكستان وسوابقه القضائية الماضية، فلم تقم لا بمراقبته ولا بإعادة تأهيله، والخطأ ذو أوزار عظيمة حينما نعلم أنه كان بإمكاننا تجنبه. فالاستخبارات كانت منشغلة بالتنصت لأهداف سياسية أقل أهمية مما وصلنا إليه اليوم. وعليه وجب العمل على تجنب أعمال إجرامية في المستقبل والاستفادة من هذه الدروس.