القول المحمود في إبطال مزاعم اليهود ما أكثر المزاعم الّتي زعمها اليهود بالأمس البعيد، وما أكثر المزاعم الّتي زعموها بالأمس القريب، وما أكثر المزاعم الّتي يزعمونها الآن، وما أكثر المزاعم الّتي سيظلون يزعمونها إلى ما شاء الله عزّ وجلّ، وقد كان يكفي في الرد على افترائهم هذا أن نقول إنّ الله جلّ جلاله قد فصّل في القضية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً في كتابه المنزّل على رسوله المفضّل سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والّذي سيظلّ قائماً ما بقيت السّماوات والأرض، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحجر: ''إنّا نحنُ نزّلْنَا الذِّكْر وإنّا له لحافظون'' الحجر.09 يزعمون أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قد وضع عنهم الجزية وهو في المدينة ممّا يدل على تفضيلهم على غيرهم من أهل الكتاب. إنّ القرآن الكريم يصرِّح بكلّ وضوح قائلاً في سورة المائدة: ''لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاس عداوةً للّذينَ آمنوا اليهودَ والّذين أشْرَكُوا ولتَجِدَنَّ أقْرَبَهُم مودةً للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نَصَارَى ذلك بأنّ مِنْهُم قِسِّيسِينَ ورُهْبَاناً وأنّهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ممّا عرفوا من الحقِّ يقولون ربَّنا آمنَّا فاكْتُبْنَا مع الشّاهدين''. فكيف إذن يقال أن لهؤلاء فضلاً على أهل الكتاب في نظر الإسلام وقد جعلهم الله أشدّ النّاس عداوة للمسلمين وقدمهم في هذه العداوة على المشركين؟ وأمّا بخصوص وضع الجزية عن اليهود فهذا خبر مكذوب. وقد ذكر الإمام ابن كثير في السِّيرة النّبويّة ما ورد في صحيح البخاري ومسلم وهو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عامل يهود خيبر على أن يؤدّوا الشطر من نتاج أرض خبي، وقال لهم نقركم فيها ما شئنا. وكان يبعث إليهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ليجمَع هذا الشطر منهم، فلمّا استشهد ابن رواحة في غزوة مؤتة الّتي شنَّها المسلمون ضدّ الروم في جمادى الأولى سنة 8ه، كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرسل إليهم جبار بن صخر، وظلّ الأمر كذلك في عهد أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين.