إنّ ديننا الإسلامي الحنيف هو دين الأخلاق والفضيلة، وقد بعث الله نبيّنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم ليتمِّم جهود الأنبياء السّابقين في البناء الأخلاقي الكفيل بإصلاح المجتمعات، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''بُعثت لأتمِّم حسن الأخلاق''، رواه مالك في الموطأ. وقد كان صلّى الله عليه وسلّم الدّاعي إلى مكارم الأخلاق، متّصفا بما يدعو إليه مجتنبا ما ينهى عنه، قال تعالى: {وإنّك لعلى خُلق عظيم}، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ''كان خُلقه القرآن''، رواه أبو داود. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: ''خدمتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فما قال لي أُفٍّ قط، وما قال لي لشيء صنعته لِم صنعته، ولا لشيء تركته لِم تركته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، ولا مسست خزّا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفِّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كانت أطيب من عرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم''، رواه الترمذي. ولقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفضل حسن الخلق يوم القيامة وبعاقبة سوئها، حيث قال: ''ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإنّ صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصّوم والصّلاة''، رواه الترمذي. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله يبغض الفاحش البذيء''، رواه الترمذي. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئِل عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: ''تقوى الله وحسن الخلق''، رواه الترمذي. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''أتدرون من المفلِس؟ قالوا: المفلس فينا من لا دِرهم له ولا متاع له، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتصّ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتصّ ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثمّ طرح في النّار''، رواه الترمذي. فالمرء مهما اجتهد في الطاعات والعبادات فإنّها لا تنفعه مع سوء أخلاقه وظلمه وإذايته لغيره. ولذلك لمّا قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّ امرأة تصوم النّهار وتقوم اللّيل ولكنّها تؤذي جيرانها بلسانها، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''هي في النّار''، رواه الحاكم. وبعد عرض هذا العدد القليل من الأحاديث الكثيرة الّتي وردت في التّرغيب في حسن الأخلاق والتّرهيب من سيِّئها، يتبيّن أنّ آفة السّبِّ من أخطر آفات اللِّسان الدالة على سوء الخلق والمؤدّية بصاحبها إلى الهلاك والخسران عياذا بالله. ولا شكّ في أنّ أبشع صور السّبِّ وآكدها تحريما: سبّ الله تعالى، فلا أفظع ولا أشنع من أن يتطاول العبد الحقير على ربِّه خالقه ورازقه والمنعِم عليه بنعمة اللّسان والكلام فيسبّه أو يستهزئ به، جاهلا بذلك خطورة فعلته عند الله، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ يقول: ''إنّ أحدكم ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنّ أحدكم ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه''، رواه الترمذي. فيا ويْله من عذاب الله من سبّ الله إذا لم يتبْ. وصدق الله عزّ وجلّ إذ يتعجّب من جحود مثل هذا العبد الجاحد لما ينبغي لربّه من هيبة ووقار والمستهزئ بدينه قائلا: {ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهنّ نورا وجعل الشّمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثمّ يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا}. ولقد بلغ من فظاعة سبّ العبد لربّه أنّ الله عزّ وجلّ حرّم على المؤمنين سباب الآلهة الّتي يزعمها أهل الكفر والضلال حتّى لا يتّخذه هؤلاء الكفّار ذريعة لسبّ الله، حيث قال: ''ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم''. ينبغي على المؤمن أن يجتهد في التّحلّي بأحسن الأخلاق وأفضلها في جميع أحواله، خاصة عند الغضب بأن يقوّم لسانه بذِكر الله والاستغفار، لأنّ الاستغفار يطرد الشّيطان. والله الموفق.