رغم الأغلبية المريحة التي ستتمتع بها الحكومة المقبلة في المجلس الشعبي الوطني، بعد فوز الأفالان بقرابة نصف عدد مقاعدها دون حساب أصوات الأرندي والأحرار، غير أن توقعات المتتبعين تشير إلى أن الكتل المعارضة في الغرفة السفلى بإمكانها أن تقلب حسابات السلطة لو ترسم لنفسها خطة إستراتيجية ولا تلجأ لضرب بعضها البعض. بإعلان ''حمس'' عدم المشاركة في الحكومة، تكون مساحة أحزاب المعارضة داخل البرلمان قد توسعت على حساب تقلص دائرة حكم السلطة، بحيث سيقتصر اللون السياسي داخل الحكومة المقبلة على لون واحد بارز هو لون التيار الوطني، مع إشراك فسيفساء من ألوان حزبية صغيرة أخرى مستنسخة في واقع الحال من التيار الوطني ولا تبتعد عن التيار الديمقراطي. وضمن هذا السياق، أشار الأمين العام للأفالان، عبد العزيز بلخادم، إلى ما يسميه توسيع الائتلاف إلى أوسع قدر ممكن، ما يعني أن السلطة تريد فتح الباب للأحزاب الراغبة في الالتحاق بالحكومة بغض النظر عن محدودية المقاعد المحصل عليها في التشريعيات، لأنه حسابيا الأغلبية البرلمانية ليست بحاجة إلى مقاعد بقدر رغبتها في اللون السياسي، وذلك في رسالة إلى توسيعها لقاعدة الحكم. لكن الأغلبية المحصل عليها من قبل الأفالان ستدفع الأحزاب المعروفة، على غرار الأفافاس وحزب العمال وجبهة العدالة والتنمية والجبهة الوطنية الجزائرية، إلى التمسك أكثر بخندق المعارضة، لانعدام مبررات تشكيلها لتحالف حكومي، على اعتبار أن مقاعد الأفالان لوحدها تعطيه الأغلبية دون الحاجة لخدمات أو مقاعد الآخرين مهما كان عددها. لكن رغم هذه الأسبقية العددية للأفالان، إلا أن التركيبة النيابية المنبثقة عن تشريعيات 10 ماي، من شأنها أن تفرز الأمور ويتضح فيها بجلاء صوت السلطة وآراء المعارضة، التي ستكون على بينة من أن معركتها في المجلس الشعبي الوطني ستكون معركة سياسية وليست عددية، في التعاطي مع مشاريع القوانين التي تنزل للهيئة التشريعية. وعكس ما قد يراه البعض في أن النقاش سيكون باردا بحكم هيمنة حزب الأغلبية، فإن الكتل البرلمانية للمعارضة لن تربطها، كما في السابق، كواليس التفاوض حول كيفية تقسيم هياكل المجلس ولجانه الدائمة وكذا ريع المهمات للخارج، بل ستكون هذه المرة أكثر حرية وبعيدة عن الضغط في مواقفها، لكن شريطة ألا تلجأ إلى ضرب بعضها البعض تحت الحزام. ومع التحاق ''حمس''، لأول مرة منذ بداية التعددية، وهي خارج أسوار الحكومة، قد يعزز من صفوف المعارضة، بما تملكه من خبرة برلمانية، وهو ما قد يرفع من حدة النقاش، بعدما كان ميتا في عهد برلمان زياري المنتهية ولايته. غير أن ذلك يبقى مرتبطا بدرجة كبيرة بمدى تقبل الحزب الواحد سابقا للرأي الآخر وممارسته قواعد اللعبة الديمقراطية التي تفرض احترام الأقلية وعدم سعيه لوأد المعارضة بغلق كل منابر التعبير أمامها داخل الهيئة التشريعية بحجة أغلبيته العددية.