الأمانة ليست وديعة تؤتمن عليها بل هي أشمل من ذلك فالدين كله أمانة. الأمانة هي أداء الحقوق، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه فهو يؤدي حق الله في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويردُّ الودائع. وهي خلق سامي من أخلاق الإسلام وأحد ركائزه، فهي فريضة عظيمة وافق الإنسان على أن يحملها بينما رفضت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول تعالى: »إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً«، وقد أمرنا الله بأداء الأمانات، فقال تعالى: »إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها«. هكذا بدأ الشيخ محمد حسان حلقة جديدة من برنامجه »جبريل يسأل والنبي يجيب« عبر قناة »الرحمة« الفضائية، ضمن سلسلة الحلقات التي تتحدث عن فضل التربية بالأخلاق وأن تتم على أساس أخلاقي لا عوج فيه. وبين الشيخ أن لفظ الأمانة ذكر في القرآن على ثلاثة معان الأول: أن الفرائض التي فرضها الله على عباده أمانة، ومنه قوله تعالى: »لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم« أي لا تضيعوا ما فرضه الله عليكم من فرائض، قال ابن عباس رضي الله عنهما:(لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرسول بترك سنته) يُفهم من ذلك قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} والمراد هنا بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. والثاني: وردت الأمانة بمعنى الوديعة يقول تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فالآية تشير إلى كل ما يؤتمن عليه الإنسان من وديعة ورهن، كما يقول تعالى {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} أي: إذا اؤتمنوا على شيء لم يخونوا بل يؤدونه. والمعنى الثالث الذي وردت به الأمانة في القرآن: العفة وذلك في قوله تعالى {إن خير من استأجرت القوي الأمين} أي القوي في بدنه والأمين في عفافه. ثم تحدث الشيخ محمد حسان عن أمانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: لقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، ودخل المسجد الحرام وطاف حول الكعبة، وبعد أن انتهى من طوافه دعا عثمان بن طلحة »حامل مفتاح الكعبة« فأخذ منه المفتاح، وتم فتح الكعبة، فدخلها النبي صلى الله عليه وسلم ثم جلس في المسجد فقام علي بن أبي طالب وقال: يا رسول الله، اجعل لنا الحجابة مع السقاية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أين عثمان بن طلحة؟) فجاءوا به، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء. ونزل في هذا قول الله تعالى: »إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها« هكذا نرى كيف رفض النبي صلى الله عليه وسلم إعطاء المفتاح لعلي ليقوم بخدمة الحجيج وسقايتهم، وأعطاه عثمان بن طلحة امتثالا لأمر الله برد الأمانات إلى أهلها. وأضاف الشيخ موضحاً أن الأمانة أيضاً تكون في حفظ الجوارح فعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، عليه أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله سبحانه وتعالى، فالعين أمانة يجب عليه أن يغضها عن الحرام، والأذن أمانة يجب عليه أن يجنبها سماع الحرام واليد أمانة والرِّجل أمانة والفرج أمانة، وليست في حفظ الودائع وأدائها لأصحابها عندما يطلبونها كما هي. وضرب الشيخ مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله مع المشركين، فقد كانوا يتركون ودائعهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليحفظها لهم وقد عُرف النبي بصدقه وأمانته بين أهل مكة، فكانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين، وحينما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ترك عليا بن أبي طالب رضي الله عنه ليعطي المشركين الودائع والأمانات التي تركوها عنده. وأشار الشيخ إلى ضرورة الأمانة في العمل بحيث يؤدي المسلم ما عليه على أحسن وجه فعلى العامل أن يتقن عمله ويؤديه بإجادة وأمانة وكذلك الطالب وكل امرئٍ يؤدى واجبه بجدٍّ واجتهاد. حتى في الكلمة التي تصدر منه فعلى المسلم أن يلتزم بالكلمة الجادة ويعرف قدر الكلمة وأهميتها، فالكلمة قد تكون سبباً في دخول صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى كما قال الله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}، وقد ينطق الإنسان بكلمة الكفر فيصير من أهل النار، وذلك في قوله تعالى: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار}. وختم الشيخ حديثه مؤكداً أن المسئولية في حد ذاتها هي أمانة، وكل إنسان مسؤول عن شيء يُعتبر أمانة في عنقه، سواء أكان حاكما أم والدا أم ابنا، وسواء كان رجلا أم امرأة فهو راعٍ ومسؤول عن رعيته، يقول النبي في الحديث الشريف:»ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«. وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم-أن خائن الأمانة سوف يعذب بسببها في النار، وستكون عليه خزيا وندامة يوم القيامة وسيأتي مذلولا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة) ويا له من عار وسط الخلائق، يجعلنا حريصين على أن نؤدي الأمانة وألا نغدر بأحد، فالأمانة من علامات الإيمان.