استيقظ المصريون، أمس، على مفاجأة نتائج عملية الفرز الأولية غير الرسمية، التي لاقت ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض، حيث يرى البعض أن قبول النتيجة أيا كانت، هي الملاذ لمستقبل مصر، فيما يؤكد آخرون أن نتيجة الانتخابات ستفرز ثورة ثانية، إذا وصل أحمد شفيق، آخر رئيس وزارء في عهد الرئيس المخلوع، إلى كرسي الرئاسة، حيث تشير الأرقام المبدئية إلى أن الإعادة ستكون بين الدكتور محمد مرسي والجنرال أحمد شفيق، وكما حيّر المصريون العالم بثورتهم يحيّرونهم اليوم بتوجهاتهم التصويتية. توجهت آراء المحللين السياسيين في الفترة الأخيرة، إلى وصول كل من المرشحين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والسيد عمرو موسى إلى جولة الإعادة، باعتبارهما أقوى المرشحين في الماراطون الرئاسي، واهتم الرأي العام الداخلي والخارجي بالمناظرة التي جمعتهما على إحدى القنوات الفضائية، وهي المناظرة التي اعتبرها بعض السياسيين، فيما بعد، خطوة قاضية أفقدتهم الشعبية في الشارع المصري، الذي كان متحمسا لهما ويفاضل بينهما بقوة، وبات المشهد السياسي في مصر يسبح في إطار من الضبابية. ثلاثة مليونيات ورشق بالحجارة والأحذية، لم تقف حائلا أمام المرشح الرئاسي أحمد شفيق، الذي حصل، حسب مؤشرات أولية، على المركز الثاني في انتخابات الرئاسة المصرية، وذلك بسبب وقوف عناصر النظام القديم إلى جانبه، وهي العناصر التي تخشى تقدم جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية، والغريب في الأمر حصول شفيق على المرتبة الأولى في محافظة الشرقية، مسقط رأس مرشح الإخوان، وكانت النتيجة صادمة للإخوان بفوز شفيق في معاقلهم، ويعتبر فوز الأخير في الرئاسيات فرصة لعناصر النظام السباق للعودة إلى المسرح السياسي. ومن بين الأسباب التي أدت إلى صعود أسهم شفيق، أن الكنيسة أعطت أوامرها للأقباط بانتخابه، ويبلغ عدد الأقباط في مصر 10 ملايين، ولديهم كتلة انتخابية تصل إلى ثلاثة ملايين، شارك منها 50 بالمائة، لذلك تفوّق شفيق في نتائج مناطق تجمّع الأقباط في مصر، وهي محافظة أسيوط في صعيد مصر وحي شبرا بالقاهرة، وكذا محافظة المنوفية مسقط رأس الرئيس المخلوع، حيث أعطى سكانها أصواتهم بقوة لشفيق، إضافة إلى عائلات ضباط الجيش والشرطة، كما موّل فلول الحزب الوطني المحل حملته الانتخابية غير المسبوقة، وتكفلوا بها كاملة، واستخدموا الإعلام الذي يسيطرون عليه حتى الآن في الترويج له، كما حصل على كتلة الصوفيين باعتبار أنه ينتمي إلى إحدى الطرق الصوفية وأشراف مصر، لكنه اختفى في المناطق الأكثر ثورية. ويعود تصدر مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، إلى قوة تنظيم الجماعة التي تعتبر أكبر تنظيم سياسي في مصر، وتتواجد في جميع محافظات مصر وتمتلك تمويلا ضخما جدا، كما حشدت الجماعة مليون و200 ألف من أعضائها وأجبرتهم على استقطاب خمسة أفراد من عائلتهم أو جيرانهم على الأقل، والتصويت لمرشحهم. وبالرغم من أن محافظة الإسكندرية، ثاني أكبر محافظة في مصر، تعتبر معسكر الإخوان والسلفيين، إلا أنهم فشلوا في كسر أصوات ناخبيها وحسمها لمرشحهم، واكتسح على عكس كل التوقعات المرشح الناصري حمدين صباحي، بعد إعلان والدة الشهيد خالد سعيد، مفجّر الثورة المصرية، تأييدها له، وانتصرت له التيارات الثورية ورأته رمزا للثورة وانضمت إليه بعض مجموعات دعم البرادعي، وانتصر له الفقراء لأنه طالب بحقوقهم، وربط المصريون صورته بصورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كما أن حملته الانتخابية كانت أقل الحملات تمويلا بين المرشحين الخمسة الأوائل، واعتمد على مجموعة من المتحمسين له والمتطوعين. ومن أسباب هبوط أسهم عمرو موسى كبر سنه، وثقته الزائدة بالنفس، وتصريحاته بأنه لا مانع لديه بأن يأتي بحكومة إخوانية، وهذا ما جعل الأقباط ينصرفون عنه تماما. وعلى غير المتوقع، نزلت أسهم أبو الفتوح نزولا حادا، إثر تعرضه لحملة تشويه ممنهجة من ضباط أمن الدولة بالنظام السابق، في وسائل الإعلام التي مازال يديرها بقايا الحزب الوطني المحل، إلى جانب رفضه تكوين فريق رئاسي، بحيث يكون حمدين صباحي نائبا له، كما أن السلفيين تخلوا عنه يوم التصويت، ورفضت القواعد الشعبية الترويج له، لأن خطابه لم يكن محافظا بنفس قوة خطاب حازم صلاح أبو إسماعيل، وقد حاول أبو الفتوح، طوال الفترة الماضية، الحصول على أصوات الليبيراليين واليساريين والإسلاميين، وداعب الكل في توجهاتهم الفكرية، وبدا يساريا مع اليساريين وليبيراليا مع الليبيراليين وإسلاميا مع الإسلاميين، فخسر كل شيء.