اجتمع الفقر والمرض والشعور بالقهر على الشاب منصوري حليم من ولاية المدية، لكنه علق آماله على الحصول على منصب عمل كحارس في قائمة أعلنت عنها البلدية، غير أن سقوط اسمه أدخله في دوامة، فانسدت كل الأبواب في وجهه، ليجد في إحراق نفسه مخرجا، لكنه نجا في آخر لحظة. لم يتسن لحليم، 34 سنة، من بلدية العمارية بولاية المدية، إكمال مشواره الدراسي بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة لعائلته المكونة من 12 فردا، فتحمّل المسؤولية في سن مبكرة، خاصة أن والده طريح الفراش منذ سنوات. وقاد البحث عن لقمة العيش حليم إلى العمل في سوق الفواكه بمدينة بوفاريك، حيث استقر لستّ سنوات، قبل أن يضطر للعودة إلى مسقط رأسه إثر إصابة شقيقته بعجز كلوي، وهو الحدث الذي قلب حياته رأسا على عقب. فمن أجل الوقوف بجانب عائلته لتأزم الوضع الصحي لشقيقته، ترك حليم عمله ليبقى دون دخل، ليبدأ مسلسل معاناته بعد أن تبرع لشقيقته بإحدى كليتيه، إثر فشل العملية الأولى التي تبرعت لها فيها شقيقتها بكليتها. وكتبت حياة أخرى لشقيقة حليم، بالمقابل تغيرت حياته هو، فمسؤولياته زادت مع مرور السنوات، ولم يعد قادرا على ممارسة أي نشاط يتطلب مجهودا كبيرا، في حين يتطلب الوضع الصحي لشقيقته مراقبة طبية، كما تخضع لتحاليل دورية للتأكد من سلامة الكلية المزروعة ''وإمكاناتي لا تسمح بذلك''، يقول حليم. وجاءت القطرة التي أفاضت الكأس، بعد أن تقدم حليم للبلدية على أمل الحصول على منصب شغل كحارس، بعد أن أعلنت عن فتح وظائف جديدة، وكان حليم متأكدا من الحصول على الوظيفة، حيث أودع ملفه بعد توصية من رئيس الدائرة بطلب من والي الولاية، بعد أن وقف على الوضع الصحي لشقيقته إثر إحدى زياراته لمستشفى بني مسوس. لكن صدمته كانت كبيرة عندما لم يجد اسمه في قائمة المستفيدين، فاختلطت عليه مشاعر اليأس والغضب والإحباط، ليحاول إنهاء حياته حرقا داخل مكتب رئيس البلدية. وعن تلك اللحظة يقول حليم: ''استقبلني رئيس البلدية في مكتبه وراح يطمئنني بوجود اسمي ضمن القائمة، لكنه أخلف وعده ولم أعِ حينها إلا وأنا أغادر المكتب لأحمل معي خمس لترات من البنزين وأقتحم مكتب المير''. وواصل حليم يقول إنها كانت لحظة تاريخية بالنسبة له، كان لزاما عليه فيها أن يوصل صوته للجميع، مضيفا: ''لم أترك لرئيس البلدية المجال هذه المرة ليتحدث إلي، وقلت له بأنني سأحرق نفسي واضعا حدا لحياتي، وعبثا حاول إقناعي بالعدول عن قراري، قبل أن يلوذ بالفرار بعد أن سكبت البنزين على جسدي.. أنا لم أفكر في حرق رئيس البلدية.. أردت أن أحرق نفسي فقط، لكن القدر شاء غير ذلك بعد أن خيبتني ''الولاعة'' التي لم تشتعل''.