مجزرة الحولة، وبعدها مجزرة القبير، وبعدها مجازر أخرى ينتظر وقوعها في أي وقت، ما دام أن المجموعة الدولية عاجزة عن التوصل إلى حل يضع حدا لحمام الدم في سوريا، التي لم تعد أوراق الحل فيها بين أيدي أبنائها، وأصبحت في أيدي قوى إقليمية ودولية تسعى لترتيب الحل، وفق ما يخدم مصالحها في المنطقة، فسقوط النظام الحالي سيترتب عنه إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. ومع مرور الوقت وارتفاع درجة سفك الدماء توجهت الكثير من الدول الفاعلة إلى الحديث، بقوة، عن خيار الحل العسكري. الحرب الباردة تعود من دمشق حمام دم سوري بين واشنطنوموسكو بلغ الملف السوري مرحلة مفصلية عقب مذبحتي ''الحولة'' و''القبير''، بشهادة كل الأطراف المعنية بالأزمة المستعرة، فتقاذف التهم مستمر بين السلطة والمعارضة حول الطرف المسؤول عن قتل وترويع الشعب السوري، فيما يدين العالم التدهور الخطير للوضع الأمني. يبدو أن الكثير من المؤشرات تسير في اتجاه إعلان فشل خطة كوفي عنان، الذي اعترف شخصيا بأن خطته لم تأت بالنتائج المرجوة، متهما حكومة دمشق بعدم الالتزام. وبينما تتواصل الدعوات للإطاحة بالنظام القائم في سوريا بالقوة، في إشارة إلى التدخل العسكري، تصر موسكو وبكين وطهران على رفض أي تدخل خارجي، أيا كان نوعه. والحال أن المعارضة السورية بالخارج لطالما طالبت بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، القاضي بالتدخل بالقوة للحد من سقوط الضحايا، والتسريع في وتيرة الانتقال السياسي، الأمر الذي رفضته، وتستمر في رفضه، معارضة الداخل. تدخل عسكري يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة والحديث عن التدخل العسكري في سوريا فائق التعقيد، بشهادة الخبراء، بالنظر لما له من تداعيات على دول الجوار. فالعارفون بشؤون المنطقة يؤكدون أن أي تدخل عسكري مباشر في سوريا سيكون له تأثيرات على كل من لبنان، العراق، الأردن، وحتى إسرائيل، التي قد تتحول فيها منطقة الجولان إلى ساحة معارك. وكانت إدارة البيت الأبيض قد أشارت إلى هذا التعقيد، من خلال الحديث عن تواجد عناصر من تنظيم القاعدة الإرهابي ضمن الجماعات المسلحة المعارضة، الأمر الذي جعلها تتريث في اتخاذ قرار تدخل بالقوة قد يؤدي إلى تنامي دور الجماعات المتطرفة، التي قد تجد سبيلا للجهاد ضد إسرائيل. من جانب آخر، يرى المراقبون للوضع السوري أن التدخل المباشر على الطريقة الليبية لا يمكن أن يحدث دون موافقة صينية وروسية، ما يفتح الباب أمام التدخل غير المباشر، والذي قد يكون من خلال دعم المعارضة بالسلاح والتدريب، أو من خلال تنفيذ عمليات محددة للقضاء على رموز النظام السوري، من أجل زعزعته من الداخل. وفيما يخص الاحتمال الأول، يرى الخبراء أنه احتمال قد يطول، ويؤدي إلى فوضى وحرب أهلية حقيقية تؤثر سلبا على المنطقة بكاملها، بالنظر للقوة التي يتمتع بها الجيش السوري، الذي لا يمكن للجماعات المسلحة المعارضة، مهما تسلحت، أن تتغلب عليه في فترة قصيرة. أما فيما يتعلق بالاحتمال الثاني، والمتعلق باستهداف رموز النظام، فيقول الخبراء إنه احتمال وارد، بدليل محاولات تجنيد قادة عسكريين للانقلاب على الرئيس بشار الأسد. وكلا الاحتمالين يؤكدان خطورة الحل العسكري، ما جعل المجتمع الدولي يستمر في دعم خطة عنان، ويبحث لها عن نفس جديد، من خلال محاولة إيجاد أرضية تقارب دولي، وصياغة حل تقبل به روسيا والصين، وبالتالي تسعى لإقناع النظام السوري به. وقد يكون هذا الحل على الطريقة اليمنية، فقد صدرت تصريحات، من كلا الطرفين، تشير إلى أن رحيل الأسد ليس شرطا وإنما نتيجة، ما يمنح المجال لفتح حوار مع رموز النظام السوري الحالي، على أن تقبل المعارضة بذلك، وهو ما يتم التفكير فيه من خلال المؤتمر الذي دعت له روسيا، ووافقت عليه العواصمالغربية، شرط أن يفضي إلى حل توافقي ينهي الأزمة المستمرة منذ أزيد من سنة. منسق هيئة التنسيق السورية المعارضة، حسن عبد العظيم، ل''الخبر'' ''تغييب إيران سيعطّل الحل في سوريا '' استبعد حسن عبد العظيم، منسق هيئة التنسيق السورية المعارضة، المتواجدة في الداخل، أن يكون هناك تدخل عسكري في سوريا لحل الأزمة. واعتبر تهديد دول غربية باللجوء إلى هذا الخيار من باب الضغط على النظام السوري، الذي قال عنه بأنه يواصل عمليات القتل وخرق مبادرة عنان. وقال حسن عبد العظيم، في اتصال مع ''الخبر''، إن هيئتهم ترى بأن أي تدخل عسكري ''في سوريا سيؤدي حتما إلى حرب إقليمية. ولن يشكل خطرا فقط على سوريا، بل على كل دول المنطقة ودول الجوار، وحتى على إسرائيل''. وانطلاقا من هذه الرؤية، التي قدمها المتحدث، فإنه يرى أن ''التدخل العسكري في سوريا يبقى مستبعدا والتلويح به، من باب الضغط، وتحذير النظام السوري، الذي تمادى في القتل، وكذا عدم تطبيقه لخطة عنان''. ويشدد حسن عبد العظيم على أن الدول التي ترفع خيار التدخل العسكري لا يوجد بين أيديها سوى ورقة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية. أما الخيار الآخر،، حسبه، فهو مستبعد، خاصة أن كل من روسيا والصين مصممتان على رفض أي تدخل عسكري أجنبي، أو إقامة حظر جوي أو مناطق عازلة، ''لأنهم يرون بأن ما حصل في ليبيا خطير، وأثر على مصالحهم، وبالتالي منع إعادة وقوعه في سوريا''. وفي رده على سؤال حول تلويح دول غربية، من بينها الولاياتالمتحدة، بالتدخل العسكري في سوريا، وكذا وجود ضباط من القوات الخاصة البريطانية على الأرض في سوريا، وفق ما كشفته تقارير إعلامية، قال إنها ''تبقى مجرد ضغوط. وهناك محاولات لدول غربية وإقليمية لدعم المسلحين والجيش السوري الحر بالأسلحة، وكذا إرسال خبراء. لكن هذه المحاولات تؤكد عدم القدرة على التدخل العسكري''. ويقول منسق هيئة التنسيق السورية المعارضة، في تعليقه على مطالبات المجلس السوري، وكذا الإخوان المسلمين في سوريا، بضرورة تدخل عسكري لوقف حمام الدم، بأن ذلك ''مجرد محاولة لإرضاء الثائرين من الشعب لكسب مشاعرهم. لكن يبقى هذا من قبيل الأوهام، ونحن كنا مدركين، منذ البداية، استحالة التدخل عسكريا في سوريا. وهذه الحقيقة أعرب عنها العديد من السفراء الأوربيين الذين التقينا بهم، فرادى هنا بسوريا، وحتى سفراء الاتحاد الأوروبي، الذين أكدوا لنا بأن التدخل العسكري في سوريا مستحيل''. وعن رؤيته للحل في سوريا يقول ''نحن نؤمن بأن التغيير يكون على يد الشعب السوري، وبنضال أبنائه، دون تدخل أجنبي، لأن هذا التدخل يخدم مصالح الدول المشاركة فيه. ونحن نرفض أن يتكرر ما جرى في العراق وليبيا في سوريا''. وفي ختام حديثه إلى ''الخبر''، عبّر حسن عبد العظيم عن عدم معارضة هيئته ''مشاركة إيران في التوصل إلى حل في سوريا، ما دامت هي جزء من المعضلة، بحكم دعمها للنظام القائم، وحضور تركيا في مجموعة الاتصال سيعطي نوعا من التوازن، لأنها من خصوم النظام، ونرى أن تغييب إيران سيعطل الحل في سوريا''. رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات،العميد الركن هشام جابر، ل''الخبر'' ''تغيير النظام السوري بالقوة سيفجّر المنطقة'' المعارضة المسلحة تلقت 200 مليون دولار يرى العميد الركن هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، أن الحديث عن التدخل العسكري في سوريا يدخل ضمن الحرب النفسية التي تقودها الدول الساعية للإطاحة بالنظام السوري، ولم يستبعد، في حديث مع ''الخبر''، احتمال التحرك عسكريا ضد سوريا بشكل من الأشكال، غير أنه أكد أن أي تدخل بالقوة في سوريا قد يؤجج المنطقة ككل. هل تعتقدون أن التدخل العسكري في سوريا ممكن؟ صحيح أنه جزء من الحرب النفسية الدائرة، لكن في اعتقادي أن الاحتمال قائم. فهناك دول تسعى إلى تطبيق البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة ضد سوريا، ما يعني فتح المجال للتدخل بالقوة، لكن مع استمرار اعتراض الصين وروسيا، باستعمال حق النقض، يبدو الأمر صعبا في الوقت الحالي. لكن هذا لا يمنع أن هناك أشكالا من التدخل العسكري التي يمكن لهذه الدول أن تفكر فيها. بعبارة أخرى قد لا يتوصل مجلس الأمن إلى إصدار قرار يسمح بالتدخل، مثلما حدث في ليبيا، لكن قد تنجح الدول الراغبة في الإطاحة بالنظام في سوريا أن تتحايل، وتلتف على الشرعية الدولية، من خلال تجهيز قوات عسكرية خارج حلف الأطلسي، أو عبر إقامة مناطق آمنة، تكون بمثابة القاعدة العسكرية للمعارضة المسلحة، التي يمكن تسليحها بشكل أكثر جدي. وفي اعتقادي لو تم هذا الأمر ستكون تركيا هي القاعدة الخلفية لهذا التدخل العسكري غير المباشر. ولكن ألا تعتقدون أن مثل هذا التدخل، غير المباشر، سيؤدي إلى فوضى أكبر، قد تمتد إلى دول الجوار؟ أكيد أن هذا السيناريو يؤدي حتما إلى فوضى عارمة. أنا ممن يعتقدون أن الإطاحة بالنظام السوري بالقوة سيؤدي حتما إلى فوضى في المنطقة، على اعتبار أنه لو تقرر أن يكون التدخل من خلال تسليح المعارضة، فإنه لابد من التفكير أن هناك مجموعات مسلحة، وليس كيانا مسلحا واحدا، ولا يمكن معرفة لمن ستذهب الأسلحة. والولاياتالمتحدةالأمريكية عبرت عن هذه المخاوف، ولا يمكن أن تسمح لنفسها أن تزود المعارضة السورية بالسلاح، لتجد نفسها، فيما بعد، أنها تمد جماعات متطرفة، قد تكون موالية لفكر القاعدة، بسلاح متطور.. هنا لا بد من التذكير أن أمريكا كانت وراء توقيف السفينة المحملة بالسلاح في ميناء بيروت، منذ فترة، ما يؤكد عدم رغبتها في انتشار السلاح في أيدي جماعات مجهولة الهوية. والعكس صحيح، يعني أنها ترغب في تسليح جماعات معروفة، ويمكنها السيطرة عليها. في كل الأحوال، هل ترون أنه بإمكان أي جماعات مسلحة، مهما كان مستوى تسليحها وتدريبها، تحقيق النصر على الجيش السوري، الذي أبدى ولاء للنظام إلى الآن؟ هذه نقطة مهمة، والجواب بالنسبة لي هو لا. فلا يمكن لأي جماعات أن تحقق النصر المرجو، بقدر ما يمكنها أن تسهم في إدخال المنطقة في دوامة حرب أهلية، تشمل كل المنطقة. والحال أنه لا يمكن لأمريكا أن تقدم الدعم المباشر للجماعات المسلحة، إذ لا بد من موافقة الكونغرس على كل ميزانية تفوق 50 مليون دولار، فيما يتطلب تسليح المعارضة مئات الملايين، ما يجعلني أعتقد أن أمريكا ستدفع بالدول الخليجية إلى دفع الفاتورة. مع العلم أن المعارضة المسلحة حصلت على ما يقارب 200 مليون دولار إلى الآن، دون تحقيق أدنى نتيجة. من وجهة نظري التغيير قد يكون بسبب الضغط الاقتصادي، وليس عن طريق القوة. يكفي أن نعلم أن سوريا تخسر شهريا ما يعادل مليار دولار، كما أن احتياطها المالي تراجع، منذ بداية الأزمة، من 34 مليار دولار إلى 14 مليارا، ما خلق أزمة حقيقية قد تهز أركان النظام. أما في حال الإصرار على القوة، فإن ذلك ستكون نتائجه عكسية، والإدارة الأمريكية مدركة أنه إذا أرادت استكمال المرحلة الثانية من تقسيم الشرق الأوسط الجديد، وفقا للخطة التي بشرت بها كوندوليزا رايس، فإن هذه الخريطة ستكون مرسومة بالدم حتما. الجزائر: حاورته سامية بلقاضي