الطريقة التي أدار بها عسكر مصر المرحلة الانتخابية، التي أعقبت الإطاحة بنظام مبارك (نظريا)، تعكس تجليات العقل العربي في مجال ممارسة الحكم. الإسلاميون المصريون الذين عانوا من التهميش والإبعاد والقهر والاستبداد، طوال 80 سنة من وجودهم السياسي.. هؤلاء الإسلاميون استولوا على %80 من مقاعد البرلمان، بإرادة الشعب، وأقصوا غيرهم من الحياة السياسية.. تماما كما كان الحزب الوطني الذي ثاروا عليه يفعل بالبرلمان. ومثلما ثار العسكر على برلمان الحزب الوطني، بدعم من شعب مصر في ميدان التحرير، ومنهم الإخوان، ثار، أيضا، العسكر ضد البرلمان الأحادي للإخوان، الذي حاول إعادة صياغة الحياة في مصر، بما يلائم هيمنة الإسلاميين كلية على مؤسسات الدولة.. الصورة قد تكون أكثر قتامة مما قام به الحزب الوطني في عهد مبارك. كان المصريون، في بداية الأمر، يعتقدون أن عدم بداية المجلس العسكري بصياغة الدستور الجديد لمصر وبناء المؤسسات، على أساسه، هو رغبة من المجلس في عدم وضع بصماته على هذا الدستور.. لكن الوقائع، التي أتت بعد ذلك، دلت على أن عدم البداية بالدستور هي في الواقع ترك مسألة الدستور كعصا سحرية في يد المجلس العسكري، يضرب بها من يشاء في الوقت الذي يشاء.. وليس من الغرابة أن يتم حل برلمان الإخوان من طرف المجلس العسكري، بناء على فتوى دستورية في دستور وضعه العسكر.. ووافق عليه الشعب في ظروف غير واضحة، وغير مستقرة، ثم ينقّح هذا الإعلان الدستوري من طرف المجلس العسكري، خارج إرادة الشعب، لما يقوّي سلطان العسكر ضد كل المؤسسات، الدستورية وغير الدستورية. في جانفي 1992 عالج الجزائريون مسألة فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية باستقالة الرئيس الشاذلي.. وهو الشيء نفسه الذي حصل عند المصريين، حيث عالج المصريون مسألة التوريث باستقالة الرئيس، وحل الحزب الوطني، والوعد بإعادة بناء مؤسسات الدولة بوسائل ديمقراطية.. لكن الذي حصل أن الديمقراطية كانت دائما تعطي نتائج يرى فيها العسكر أنها أسوأ من التوريث، بالنظر إلى حجم تأثيرها على مستقبل مصر. مصر الآن أشبه بطائرة فقدت طيارها، أو أنها طائرة تعطلت كل أجهزة قيادتها، وتريد الهبوط بسلام في عاصفة هوجاء. الصعوبة التي تواجه مصر، في هذه المرحلة الحرجة من التحول السياسي، تعكس، إلى حد بعيد، هشاشة المؤسسات التي شيدت لحكم مصر على مدار 60 سنة.. بما فيها المؤسسة العسكرية. وقد كشفت الأحداث الأخيرة التي جرت في مصر، خلال سنة، أن مصر لم يبق فيها ما يحفظها من الأخطار، سوى كره شعبها للعنف، ورجاحة عقل قادة نخبها. نعم مصر، التي يتابع العالم كله ما يجري فيها، لا يمكن أن تُحكم، بعد اليوم، بالاستبداد، ولا يمكن أن يسود فيها منطق الإبعاد أيضا. وعندما يفهم الإسلاميون والعسكر هذه الحقيقة، ستجد مصر طريقها إلى النجاح. [email protected]