الأوضاع الأمنية والاقتصادية في تونس قلبت وجهة السياحة تفيد أرقام مصالح الجمارك وشرطة الحدود بمركز أم الطبول في ولاية الطارف، بأن ما لا يقل عن 600 تونسي يعبرون الحدود يوميا، ليس للسياحة وإنما للتزود بالمواد الغذائية والوقود ومختلف البضائع والسلع من أسواق المدن الحدودية. نفس الأرقام تشير إلى ان 400 مركبة وسيارة تدخل الأراضي الجزائرية وتتوجه مباشرة إلى محطات الخدمات للتزود بالوقود ثم تعود أدراجها إلى التراب التونسي بعد أن تملأ خزاناتها. هذا النشاط أدى إلى تسجيل حركة مرورية يميزها الازدحام على الطريق الوطني رقم 44 الرابط بين مركز أم الطبول ومختلف مدن الشرق القريبة من الشريط الحدودي. وحسب معلومات استقتها ''الخبر'' من الجمارك وشرطة الحدود، فإن الرعايا التوانسة يعبرون الحدود خلال الفترات الليلية بمعدل 300 شخص، فرادى وجماعات، ويرتفع العدد ليصل إلى 600 شخص يوم الأربعاء، وذلك تزامنا مع نصب الأسواق الأسبوعية بمدينة القالة، ليتكرر نفس المشهد كل يوم أحد للتسوق من أسواق عنابة والعلمة بسطيف وعين فكرون بأم البواقي لاقتناء مختلف أنواع الأقمشة والألبسة الجاهزة والأحذية والأفرشة والأواني المنزلية، بالإضافة إلى قطع غيار السيارات والتجهيزات الصناعية والفلاحية الخفيفة والأدوات الكهرو منزلية والإلكترونية. ويقول مواطنون توانسة ل''الخبر'' إن ''رحلاتهم اليومية تجارية بحتة ولا تتجاوز مدتها على أكثر تقدير 24 ساعة يتجنبون خلالها مصاريف المبيت والأكل والاكتفاء بفنجان قهوة في أفضل الحالات، وحتى هذا الأخير يكون على حساب أصدقائهم الجزائريين الذين تربطهم بهم علاقات صداقة وتجارة''. ومن هؤلاء، خميسي الجندوبي، 48 سنة، الذي له علاقة قديمة مع الجزائريين بصفته وسيطا وضامنا تجاريا لتجار الشنطة الجزائرية التي كانت تغزو الأسواق التونسية خلال تسعينيات القرن الماضي. ويعتبر خميسي هذا النشاط شكلا من أشكال التضامن بين الشعبين، في إشارة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي نوعا ما في تونس. وكشفت السيدة مريم الهمامي، 45 سنة، عن أن والدتها التي تقيم في تونس العاصمة كانت تستقبل النسوة الجزائريات اللواتي يمارسن تجارة الشنطة في نفس الحقبة. ويذهب أحمد البوخاري 51 سنة، الذي يعمل سائق ''كلانديستان'' إلى القول بأنه مثلما كان ينقل عشرات الجزائريين إلى الحدود في السابق، فإنه يقوم بنفس المهمة اليوم مع التونسيين. موضحا بأن تجار الشنطة من الجانبين تربطهم علاقات قوية يجني منها الطرفان فوائد كبيرة. واقتربت ''الخبر'' من المركز الحدودي التونسي المقابل لمركز أم الطبول وتمكنت من التحدث إلى ضابط في الحرس التونسي، حيث أشاد بوقوف الجزائريين مع ضيوفهم التوانسة. واصفا حركة عبور الشنطة التجارية للحدود بين ضفتي البلدين عبر معبري أم الطبول وملول (التونسي) برمز للتضامن بين الشعبين في أيام المحن والشدة كما هو الحال مع الوضع في تونس حاليا ومع ما عاشته الجزائر في التسعينيات. وفضلا عن تجار الشنطة، تسجل المصالح الحدودية دخول وخروج نحو 400 سيارة تونسية يوميا للتزود بالوقود من محطات البلديات القريبة من الشريط الحدودي وأحيانا تتوغل الى البلديات الداخلية وخاصة ولاية عنابة. ومن باب المقارنة بين محتويات الشنطة الجزائرية في سنوات التسعينات ونظيرتها التونسية في الوقت الراهن، نجد أنهما تختلفان بشكل كبير. فالجزائريون كانوا يجمعون في رحلاتهم اليومية بين التجارة والترفيه السياحي ويقيمون في تونس لمدة لا تقل عن يومين، مما يكلّفهم مصاريف على حساب هامش الربح. أما نظرائهم التوانسة، فلا يقيمون في الفنادق ولا عند الخواص كما أنهم قليلا ما يرتادون المطاعم. وجوابا على سؤال ل''الخبر'' حول هذا الاختلاف، قال سفيان الرجيمي، 31 سنة، ''إن التجارة لها وقت وللسياحة وقت، وكل مصروف في متاعب الرحلة ينعكس سلبا على هامش الربح''.