ألقى بهم العوز وقلة الحاجة إلى أماكن نائية وسط تضاريس صعبة بمنطقة الحوض بفايجة أولاد بريكة، التابعة لبلدية تعظميت المجاورة لبلدية بن يعقوب جنوب ولاية الجلفة، جمعوا الخرق البالية وبقايا الحطب وبعض ألواح ''الزنك'' لبناء ما يشبه الخيم أو البيوت، طمعا في أن تقيهم الحر والقر. لم يشاهدوا يوما مسؤولا ولم يسمعوا يوما عن قفة رمضان، يصومون ويفطرون على الخبز اليابس وبعض الحساء من صدقات بعض الجيران. يصعب وصف حالة عائلات تعيش بمنطقة الحوض بفايجة أولاد بريكة، وأخرى غير بعيدة عنهم بمحاذاة غابات ''تغرسان'' التابعة لبلدية بن يعقوب، حين تجد بيوتا لا هي بالأكواخ ولا هي بالخيم، بل مجرد ''عشش'' تختلط فيها أعمدة الأشجار مع صفائح ''الزنك''، مع الحجارة والطين، مشكلين منها ما يشبه المسكن. هم على هذه الحالة منذ سنوات عديدة والسبب، كما يقول الشيخ ''سعدي بن عامر''، رب إحدى الأسر إنهم لا يملكون أرضا فقد عاشوا مع آبائهم الأوائل متنقلين في حمى العرش أو كمستأجرين للأراضي. وحين اندثرت هذه العادة، لم يجدوا غير الأماكن التي يجهل أصحابها فيختارون منها مكانا للإقامة. ومع ذلك، فإن حتى هذه الأراضي التي كانت إلى وقت قريب مجهولة الهوية، بدأ يظهر لها ملاّك وهم يطالبون منهم مغادرتها. ويتأسف الشيخ بن عامر لمرض أبنائه الثلاثة ذهنيا وهم كبار في السن، حتى أن الابن الأكبر متزوج وأصابه المرض بعد أن أنجب أربعة أطفال. وبعض هذه الأسر اختار أماكن غير بعيدة عنهم لكنها بمحاذاة غابة ''تغرسان'' التابعة لبلدية بن يعقوب، وهؤلاء يشكون من تهديدات أعوان الغابات في كل مرة. ويقول أحد أرباب هذه الأسر إنهم لم يروا أو يسمعوا عن مسؤول جاءهم، سوى أعوان الغابات الذين يطلبون منهم الرحيل. أما أبناؤهم فلا يعرفون الدراسة أو يسمعون عنها، وهم حين يصلون العاشرة من عمرهم يتوجهون إلى بعض الجيران من أجل العمل عندهم في رعي ماشيتهم مقابل لقمة العيش. وفي ظل ما سبق من معاناة، والتي ما تنفك تزداد من عام لآخر، يأتي الفقر المدقع والعيش في العراء وسط ''العشش'' كما يسمونها، تقاسمهم فيها الزواحف وسط الظلام الدامس، وحتى هذه ''العشش'' يطردهم منها حراس الغابات أو ملاّك الأراضي.