عصامية لسانها فصيح وختمت القرآن باللوحة في منزلها قد يعتقد الكثير ممن سمع بقصة نجاح الطفلة وهيبة تومي التي توجت الأولى في المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمصر، بأنها تعيش حياة رغدة ساعدتها على التتويج، لكنها في الحقيقة صنيعة ظروف قاسية ذللتها بإرادة من فولاذ. مباشرة بعد الإعلان عن فوزها بالمرتبة الأولى في الفرع الثاني الذي يلزم المترشح بحفظ القرآن الكريم كاملا مع إحسان التجويد والترتيل، سارع أهلها بتزيين البيت العائلي بالأعلام الوطنية الصغيرة، وهو الحال الذي وجدناه عليه حينما انتقلنا لزيارتها بمشتة اولاد حميد التابعة إداريا إلى بلدية بئر حدادة الواقعة جنوب ولاية سطيف، حيث وجدنا أهلها في كامل الغبطة والسرور فرحا بتتويج ابنتهم الذي يرونه تتويجا لكل الجزائريين، وسطيف ليست بتتويجات الوفاق فحسب والجزائر حسبهم، لا تفرحها إلا الرياضة فقط، وهناك بمنزلها العائلي المتواضع، استقبلتنا المتوجة، ''وهيبة تومي'' بسعادة لا توصف وابتسامة ارتسمت على محياها وبلسان عربي فصيح، لم ينطق العامية أبدا. ولدت وهيبة في شهر نوفمبر من سنة 1997، وسط عائلة بسيطة تكافح من أجل تأمين لقمة العيش، فهي لوالد مكافح يشتغل معلما للقرآن الكريم وهو سر من أسرار نجاحها، رأى فيها حلما لم يحققه، خاصة بعدما لمس فيها مواصفات الفتاة الناجحة، فهي كثيرة الإبتعاد عن اللغو قليلة الكلام شديدة الارتباط بكتاب الله، وهي عوامل ساعدتها على حفظ كتاب الله في خمس سنوات متوكلة في ذلك على الله وعلى نفسها ثم تقويم والدها، حيث لم تحفظ كباقي الفتيات بمدرسة قرآنية أو غيرها، بل كانت تلتزم منزل العائلة وتأخذ ركنا في كل مساء تعود فيه من الدارسة لتتلو كتاب الله، معتمدة على الطريقة التقليدية التي حفظ بها الأصول وتوارثوها جيلا من بعد جيل، وهي طريقة الحفظ باللوحة. وكانت ''وهيبة'' كلما حفظت 15 حزبا عادت إلى الوراء وأعادت الحفظ من جديد، وهو ما جعل آيات القرآن تترسخ، وبعدما أنهت الحفظ ركّزت على فهم أحكام ترتيل القرآن وتجويده، إلى أن وفقت للتحكم في قراءة القرآن الكريم برواية ورش، ومنذ أن حفظته، واظبت على تلاوته وبشكل يومي، وخاصة بعد صلاة الفجر، وهنا يعترف الجد بأنه يعتبر حفيدته بمثابة منبه العائلة لصلاة الفجر، فلا يسبقها أحد إلى النهوض قبل الاأذان. بعد أن ختمت ''وهيبة كتاب الله'' حفظا وأحكاما، بدأت تحلم بالمشاركة في مسابقة كبيرة للقرآن وهو الحلم الذي لا بد أن يمر عبر المشاركة في العديد من المسابقات المحلية والوطنية، حيث شاركت في أربع مسابقات محلية بسطيف، حصدت فيها المراتب الأولى، ثم شاركت في مسابقة الجائزة التشجيعية لصغار السن سنة 2009، وتم تكريمها حينها من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ثم المشاركة في الأسبوع الوطني الحادي عشر والثاني عشر مع صغار الحفظة فحصدت المرتبة الأولى التي أهّلتها لأن تحقق حلمها أخيرا للمشاركة في مسابقة عالمية للقرآن الكريم، حيث تم اختيارها للمشاركة في مسابقة القرآن الكريم العالمية بالقاهرة، وسط منافسة شديدة من قبل 95 مشاركا من دول عربية كثيرة خاصة مصر، السعودية، اليمن وغيرها، مما أدخل الشك للحظات إلى قلب والدها كمال الذي رافق ابنته إلى مصر. غير أن خوف الوالد قابله ثبات الطفلة وثقة كبيرة في النفس، حتى أن زميلاتها استغربن، حينما كن يراجعن، في الفندق وفي الحافلة في طريقهن إلى المطار وكانت تفضل الاستماع إلى الأناشيد الدينية، وهي عوامل - مثلما تقول وهيبة- ساعدتها على الظفر بمجموع 99 نقطة من أصل 100 وهو ما جعلها تحتل الصدارة التي سمحت لها بأن تحظى بتكريم الرئيس المصري محمد مرسي الذي سأل وهيبة أثناء التكريم عن عمرها فأجابت ''15 سنة'' فتعجب كثيرا وقال لها''بارك الله فيك ودعا لها بالنجاح''. نجاح ولد من رحم المعاناة قصة نجاح وهيبة ولدت من رحم المعاناة. فوجهها الذي لا يتوقف عن الابتسامة ولسانها الذي لا يكل ولا يمل الذكر في كل موضع وبين كل جملة كانت تقولها، يخفي الكثير من المعاناة رغم اجتهاد الوالد والجد في إحاطتها بظروف خاصة، ولعل أبرز ما تعانيه وهيبة في صمت هو أنها تتقاسم غرفة واحدة مع الوالد والوالدة وثلاثة أشقاء، وهي غرفة للنوم ليلا ومطبخ نهارا، ولكم أن تتصوروا الحياة وسط هذه الظروف. ورغم كل هذا ناضلت ووفقت، وتأمل اليوم وهي تلميذة في السنة الأولى ثانوي بمؤسسة سعد مرابط أن تتقدم بخطى ثابتة في مجال التحصيل العلمي، وأن تلتحق يوما بشعبة العلوم الإسلامية بجامعة الأمير عبد القادر، وأن تتفقه أكثر فأكثر في دينها، وأن تسوقه للعالم أجمع في صورته الحقيقية، مستغلة في ذلك قوتها في اللغة الانجليزية التي تجاهد النفس من أجل إتقانها لصالح دينها.