القصة حقيقية وليست خيالية، أسرة مكونة من أم وأربعة أطفال تقطن منذ ثلاث سنوات في قبو عمارة بحي فايزي 2 في برج الكيفان بالعاصمة. بمجرد وصولنا الى المكان في يوم رمضاني حار، كانت السيدة ''ف.ن'' 28سنة، في انتظارنا لتقودنا الى بيتها، الذي لا يصلح حتى كإسطبل للبهائم، فهو عبارة عن غرفة من قبو يقع أسفل العمارة، ما إن خطونا عتبة الباب استقبلتنا الروائح الكريهة والجدران المهترئة، التي صوّرت معاناة العائلة التي تعيش حياة بدائية، واصلنا سيرنا بين أركان القبو حتى وصلنا الى الغرفة التي تقطنها الأم رفقة أطفالها، رائحة العفن والنتن كانت تنبعث من زواياها بسبب تسرب المياه القذرة، كانت نظرات الأبناء تلاحقنا ونحن نستكشف القبر الذي يأويهم. فالبؤس والحرمان يتجلى بكل معانيه ومفرداته في هذه الأسرة، التي لو كان الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو حيا لألّف فيهم الجزء الثاني من روايته ''البؤساء''. جلسنا رفقة السيدة التي كانت محاطة بأطفالها، وهي تسرد علينا مأساتها التي نسجت فصولها في مدينة بوسعادة في ولاية المسيلة، فبعد انفصال الأب والأم، وذهاب كل واحد منهما في طريقه وتأسيسه لحياة جديدة، بقيت هي تتنقل بين الأخوال، تارة عند هذا ومرة عند ذاك، إلى غاية أن بلغت سن خمسة عشر سنة، عندها قررها الأخوال تزويجها للتخلص من العبء الثقيل ، مرتكبين بذلك جريمة إنسانية لما سلموها إلى شخص يكبرها ب20سنة، تقول محدثتنا: ''زوجي كان يبلغ من العمر 35سنة وأنا لم اتعدى 15سنة، عشنا سنتين في بوسعادة، قبل أن يأتي بي إلى العاصمة، وفي إحدى البيوت القصديرية بالكاليتوس استقرينا، أين أنجبت ثلاثة أطفال الى غاية سنة 2008 لما غادر زوجي البيت دون رجعة لمدة سنة، وعندما عاد طلّقني وأحرقني في عدة مناطق من جسدي تحت أعين أطفالي''، لتتواصل بعدها مآسي الأم لما طردها صاحب الكوخ ووجدت نفسها مشردة في الشارع رفقة ثلاثة أطفال والرابع في أحشائها'' كنت أقضي يوما في محطة الحافلات، ويوما في سلالم العمارات، الى غاية أن التقت بامرأة دلّتها على صاحب قبو آواها رفقة أطفالها، إلا أنه يهددها الآن بالطرد إلى الشارع. وأضافت محدثتنا: ''منذ أربع سنوات لم نذق طعم الفرح يوما، حياتي تحولت الى جحيم، لأنني لا أجد رغيف خبز أطعم به أطفالي، نحن نعيش على صدقات المحسنين، وفي رمضان أرسل أطفالي ليمدوا أيديهم إلى أصحاب المحلات من أجل الحصول على الحليب والخبز الذي هو قوتنا طوال العام، حتى أن أبنائي صاموا ورغم ذلك لم أستطع أن أفرحهم'' تمسح دموعها وتواصل ''العيد على الأبواب ولم أستطع أن أكسوهم أو حتى أن أفرحهم بألعاب العيد''. سألنا صلاح، الابن الاكبر وأخته إكرام فأجابا بكثير من البراءة: ''نذهب الى أصحاب محلات بيع المواد الغذائية وإذا رفضوا نلجأ الى العائلات علهم يعطوننا رغيفا نتقاسمه رفقة أمنا وإخوتنا''. وأضافت الأم ''أبنائي اصبحوا يرفضون الذهاب لطلب الخبز، بسبب بعض اطفال الحي الذين ينعتونهم ب''الطلابين''. وتقول الأم: ''أبنائي دخلوا متأخرين الى المدرسة حتى أن المدير سمح لي بعد جهد كبير بتسجيلهم لأننا لا نملك شهادة إيواء أو إقامة، والقانون لا يسمح بذلك، وفي كل مرة أذهب الى البلدية يرفضون استقبالي، فلا قفة رمضان ولا إعانة ولا أي شيء''. وما زاد من مأساة العائلة تقاسمهم القبو الحقير مع الجرذان والقوارض، حتى أن الأم لا تنام بالليل لحراسة أطفالها، خصوصا بعد تعرضهم لعدة عضات، فهي تنام بالنهار وتبقى مستيقظة بالليل، كما أن الأطفال أصيبوا بعدة أمراض وهي تقف عاجزة عن إيجاد حل لهم، ليقاطعها ابنها بكثير من البراءة يقول: ''الطبات'' ما يخلوناش نرقدوا'' محاولا اختصار شكوى الأم، التي قالت بالحرف الواحد: ''لا أريد أي شيء.. أريد أن أخرج من هذا القبر وأؤجر بيتا يأويني رفقة صغاري لأطعمهم ''خبزة الحلال''.