تخلي الدولة عن متابعة المسارح شجّع هزال الأعمال l السلطة لا تريد مسرحا نقديا جادا بل تهريجا لأنه يقلقها أكد الباحث الأكاديمي حسن تليلاني، عدم وجود أزمة في المسرح. مشيرا إلى أنه يراها في غياب إرادة سياسية لتطوير حركته، بدليل توفر 15 مسرحا جهويا محترفا، والتخطيط لخلق مؤسسة بكل ولاية خلال سنتين. مضيفا أن القضية لم تعد مرتبطة بجدلية الكم والكيف، بل في تخلي الدولة عن متابعة المسارح، ووضع دفتر شروط وتقييم إنتاجها وهزال الأعمال يبرز الفرق بين قدرة أب المسرح ''علالو'' في عام 1926 على جمع ألف وخمسمائة متفرج بالمقابل، وعدم قدرة أي عمل بعد مرور نحو قرن على جمع مائتي متفرج مع مجانية الدخول. رغم وجود العديد من المسارح الجهوية في الجزائر، إلا أن واقعها ظل منحصرا في الكم وبعيدا عن الكيف، ما قراءتك لذلك؟ في بداية الاستقلال لم يكن لدينا مسرحا، باعتبار المؤسسات ظلت بيد الاستعمار، حتى الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني برئاسة الراحل مصطفى كاتب، والتي تأسست عام 1958 واتخذت من تونس مقرا لها، كانت وظيفتها الجوهرية التعريف بالقضية الجزائرية، لذلك فوجود المسرح مرتبط بإدارة محمد بوديا عام ,1963 لتظهر بعض المؤسسات الجهوية والتي على قلتها لكنها قدمت الكثير من الحراك المشوق، ف''الريبيرتوار'' المسرحي اليوم لا يمكنه إغفال مصطفى كاتب، ولد عبد الرحمان كاكي، علولة، كاتب ياسين وغيرهم. واليوم لدينا في الجزائر 15 مسرحا جهويا محترفا، والرقم مرشح للزيادة، والسلطة تنوي تأسيس مسرح جهوي محترف في كل ولاية في آفاق ,2014 والرقم الموجود حاليا هو مكسب، لكن القضية ليست في الكم الذي يغفل الكيف، لأن هذا الكم المرتفع سيفرز الكيف طال الزمن أم قصر، بل في تخلي الدولة عن متابعة هذه المسارح، ووضع دفتر شروط لتسييرها وتقييم إنتاجها. ولا هي مرتبطة بنقص الكفاءات، بل في القوانين وأخلاقيات المهنة التي تضبطها بسبب ما نلاحظه من تفشي الرداءة وإعادة لكثير من المسرحيات بدون رقيب، وميزانيات ضخمة تصرف على عروض لا تحقق أدنى نجاح، مع سيطرة الشفوية وضعف التوثيق، فأحيانا أتصور أن الأمر مقصود وكأن السلطة لا تريد مسرحا نقديا جادا بل تهريجا ولغطا لصرف الناس عن فن المسرح، لأن المسرح بطبعه مزعج ومقلق لكل سلطة، وهي صورة طبيعية صادقة للوضع العام في البلاد . إذا ما هو تشخيصك كباحث في المجال لحالة انزواء المؤسسات والأعمال التي لا تصل الجمهور كالسابق؟ * المسرح الجزائري عند نشأته كان ''شعبيا''، هادفا، متفاعلا مع كونه فن الناس والساحات، ولذلك استطاع أب المسرح الراحل ''علالو'' أن يجمع ألفا وخمسمائة متفرج دفعوا التذاكر لمشاهدة أول عرض بعنوان ''جحا'' منتصف أفريل عام 1926 بقاعة ''الكورسال'' بباب الواد، وبعد مرور قرابة قرن من الزمن ومع التطور الهائل في المنشآت والعقليات لا يستطيع أي عرض مسرحي جزائري أن يجمع مائتي متفرج رغم أن الدخول مجاني، وقضية غياب الجمهور ليست سببا في أزمة المسرح الجزائري اليوم، بل نتيجة منطقية تجاه عروض هزيلة، لذلك فهو يتطلب اجتماع المواهب، الصناعات الفنية من النص الجيد، الممثل المقتدر، السينوغرافيا والموسيقى المعبرة، والتي نأسف لغيابها في إنتاجنا المسرحي، ورغم توفر كفاءات فنية لكننا لا نملك المنهج الصحيح لتفعيلها، يتحدث البعض عن أزمة نص وجمهور وفي الإخراج، وأراها في غياب إرادة سياسية لتطوير الحركة المسرحية. ماذا تقترح كحلول لعودته إلى الواجهة ؟ * الأمراض كثيرة ومتداخلة، وأقترح تشجيع المسرح في المؤسسات التعليمية، والاهتمام بمسرح الطفل، وتشجيع حركة مسرح الهواة، مع فتح المجال للكفاءات في كل تخصصات المهن المسرحية، والأهم الاعتراف بدوره في التربية والتوعية، وكذا إيلاء أهمية للتوثيق والنشر ووضع خطط منهجية لجلب الجمهور وبالتكوين بردم الهوة بين الأكاديميين والممارسين لفن المسرح، والاعتراف بسلطة النقد في التقييم. هل أب الفنون كاف لحاله لإحداث التغيير؟ * أرى أن المسرح فن الناس والساحات، هو لا يقلب نظاما ولا يصنع وحده ثورة، ولكنه يكون فعالا إذا كان صوت البسطاء من الناس وهم أصحاب المصلحة الأولى في ذلك التغيير، وفاعليته تكمن في كونه مواجهة كبرى بين الإنسان ''الممثل''، والإنسان ''المتفرج''، وهو تجمع إنساني حي وليس مجرد مواجهة بين القارئ والورقة، كما يحدث في الأشكال الأدبية الأخرى، فلو كان جوهر المسرحية كشفها عن صراع، فإن الكاتب المسرحي المقتدر هو من يتحكم في الصراع والحوار ليترجمه في عمل مشوق يفي بكل شروط ومقومات الإبداع.