شهد تاريخ المسرح الأهلي (إبان الاستعمار) تحولا جذريا انطلاقا من يوم 12 أفريل 1926 تاريخ عرض مسرحية "جحا" التي يعود الفضل في ميلادها (كتابة السيناريو و الإخراج و الإنتاج) لسلالي علي المدعو علالو. و في هذا الصدد، كتب محيي الدين باشطرزي في مذكراته أنه بعد هذا العمل لم يعد المسرح كما كان سابقا فبعد خمسة أشهر من مروره لأول مرة على ركح "كورسال" بالجزائر العاصمة في شهر رمضان لا يزال تأثير "جحا" ملموسا و حاضرا في قلوب العديد من العاصميين، حسبما أكده باشطرزي الذي يعتبر من أبرز وجوه الفن الرابع الوطني. و قال في هذا السياق أن "هذه النكتة التي لم أولي لها أهمية في باديء الأمر فتحت عهدا جديدا دون أن أنتبه لذلك: لقد ولد المسرح الجزائري". وتجدر الإشارة إلى أن هذا "الميلاد" الذي تطرق إليه باشطرزي يخص المسرح الكلاسيكي أو الأرسطوطاليسي كما وصفه عبد القادر علولة. ومن جهته استذكر علالو (1902-1992) صاحب هذا المؤلف الدرامي الذي حقق نجاحا باهرا و غير متوقع هذه الحقبة الحافلة بالأحداث السياسية و الثقافية التي برز فيها الفن الرابع ليبقى راسخا في ذهن الجزائريين مشيرا إلى بعض الجوانب التي توضح أو تكمل الذكريات التي تم نشرها تحت عنوان "ضحى المسرح الجزائري" (طبعة 1982 و الطبعة الثانية ل2011). وتعود أعماله الأولى في المسرح إلى 1917 ب"منزل الجنود" (المقر الحالي لفندق السفير) حيث قدم عروضا كمغن مرح بالنسبة للجرحى إبان الحرب العالمية الأولى. و اعتبر ابن القصبة الذي شرع في العمل و هو في سن 13 حيث عمل في الصيدلية و كبائع كتب و كعامل في السكك الحديدية أنه يتم استحسان المسرح بفضل ثلاثة معطيات: حب القراءة و التردد على المسرح و العمل إلى جانب هواة المسرح على غرار عزيز لكحل و ابراهيم دحمون الذي شاركه التمثيل في مسرحيتي جحا و "زواج بوعقلين". الطبق الرئيسي الأول ل"جحا" و بعد تأسيس جمعية "المطربية" سنة 1921 برئاسة المختص في الموسيقى إيدموند يافيل الذي كان باشطرزي مساعدا له برز عشق علالو للمسرح و ميله الشديد للموسيقى. و لاستكمال الجزء الخاص بالعرض استحدث الفنان شخصية كوميدية فذة لاقت نجاحا كبيرا في انتظار الطبق الرئيسي ل"جحا". و قبيل هذه المسرحية تم إطلاق العديد من العروض التجريبية في مجال الدراما غير أنها لم تلق رواجا كبيرا حسب السيد علالو الذي ذكر بالأهداف التي كانت وراء إنشاء مسرحية "جحا". و في هذا الصدد، أوضح الممثل أن الأمر كان يتعلق بالتحدي مشيرا إلى أن الكوميدي التونسي المدعو واز واز حظي بدعم من سي مصطفى بابا حفيظ مدير المدرسة العربية العصرية الأولى و أحد هواة المسرح. و أضاف قائلا أن "المدير قدم الممثل لفريقنا (كان هناك دحمون و لكحل و باشطرزي و أنا) و طلب دعمنا كممثلين لتنظيم مسرحية اقترحها التونسي و كان بابا حفيظ يمتلك 500 فرنكا لضمان تكاليف إنجاز المسرحية و كراء +كورسال+". و كان العمل ضئيلا و مليئا بالاسترجال و في الأخير فر واز واز بكل الأموال التي تم جمعها حسب السيد علالو الذي ذكر بأن بابا حفيظ أقر بأنه كان ضحية عملية نصب متحديا الجميع بعدم قدرتهم على إنشاء مسرحية كواز وازو هنا +رفعت التحدي شخصيا و جاء الرد بعد سنة تقريبا مع +جحا+. و تروي المسرحية التي تقع في ثلاثة فصول مغامرات جحا الذي ترغمه زوجته حيلة للثأر منه على لعب دور الطبيب لمعالجة ابن السلطان الذي يعاني من مرض خطير و هو في الواقع مريض عاشق و هنا يظهر دهاء و مهارة جحا حيث يعالج المشكلة بطريقة سريعة و بكفاءة. و في هذ الصدد يرفض علالو فكرة أن تكون مسرحيته اقتباسا ل"المريض الوهم" أو "طبيب رغما عنه" لموليير مشيرا إلى أن أوجه الشبه بين "جحا" و "طبيب رغما عنه" تعود إلى مصدر مشترك و هي رواية من العصور الوسطى تعدى "مير اللئيم". و ذكر علالو برواية أخرى أكثر أهمية و هي +قمر الزمان+ من ألف ليلة و ليلة. إن كان المسرح الأول في قائمة الفنون فهو الأخير في قائمة المهن يقول علالو في هذا الشأن "لقد قمت أيضا باستغلال طبيعة و اسم جحا لأنه معروف و جدير باستقطاب اهتمام الجمهور فطالما لام الجمهور المؤلفين المسرحيين اقتباسهم لأعمال من المسرح الفرنسي و الأوروبي غير أن هذه الاقتباسات كانت محصورة فقط في المجال التقني و البناء الدرامي كما هو الحال بالنسبة لي و بفضل قراءاتنا نقوم بنوع من التحول التكنولوجي". و أضاف قائلا "مع دحمون و بعض الأصدقاء و أنا كانت فرقتنا +زاهية+ بارزة لا سيما خلال العرض الأول الذي قدم لصالح المطربية عقب الحفل الذي قدمته ب+كورسال+ بالمسرح الجديد الذي يتوفر على قاعة تضم 1.000 مقعدا في مشارف باب الواد". و قال علالو مبتسما أنه "بسبب غياب الفنانات أعرب دحمون عن استعداده لتجسيد دور حيلة و تخلى عن شاربه الأبيض بالرغم من إصرار جدته على عدم التخلي عنه". و قد حظيت المسرحية التي عرضت يوم 12 جوان مع نهاية شهر رمضان 1926 بنجاح كبير لتعرض مجددا ثلاث مرات بين 10 إلى 17 ماي حيث لاقت رضا الجمهور باعتبارها عرضت موضوعا يرسم واقع العائلات بطابع فكاهي و بنظرة جزائرية محظة مع إبراز لغة مفهومة و حية وثرية (الملحون). و في غضون ست سنوات أنتج علالو بمساعدة رفقائه من فرقة "زاهية" 6 مسرحيات أخرى متبوعة بسابعة أخرجت فيما بعد. و بعد كل هذه السنوات التي قضاها في خدمة المسرح الجزائري كممثل و مؤلف و مخرج و مدير فرقة ألح مستخدمي الفنان (من ترامواي الجزائر) على هذا الأخير كي يختار بين عمله لديهم أو عمله الآخر في المسرح و الذي يجعله كثير الغياب. و باعتبار أن لديه عائلة يتكفل بها و لتبنيه مقولة أحد الفنانين المشاهير الذي أكد أنه "إن كان المسرح الأول في قائمة الفنون فهو الأخير في قائمة المهن" فقد قرر علالو سنة 1932 التخلي و بشكل نهائي عن أي نشاط في هذا المجال دون التخلي عن المجال الفني.