استنكر عدد من كتاب لجزائر العميقة عدم استدعائهم لتنشيط ندوات الصالون الدولي للكتاب، واعتبروا ذلك بمثابة ''استمرار لسياسة الإقصاء والتهميش التي طالتهم على مدى السنوات الأخيرة''، داعين إلى ضرورة تغيير النظرة لمجهودهم الإبداعي. عز الدين جلاوجي: العمق هو الخزان الحقيقي للإبداع ورغم ذلك نحن مهمشون يفضل الروائي عز الدين جلاوجي، الحديث عن مصطلح ''العمق'' بدل ''الهامش''، لأن مصطلح العمق يقابله السطح، في حين يقابل مصطلح الهامش المركز. وقال في تصريح ل''الخبر''.. '' إن المتأمل عميقا للعواصم وباقي مدنها، يجزم بأن غالبية الطبقة المثقفة هي من هذا العمق، والأمر ذاته نلحظه في مشهدنا لدى الرواد (من محمد ديب إلى الطاهر وطار). وبالتالي فإن العمق هو الخزان الحقيقي والدافق للفعل الثقافي دائما وأبدا، رغم ما تعرض له هؤلاء من إقصاء، وهو بالضبط ما نتعرض له نحن اليوم، وهو دليل على انعدام ثقافة المؤسسات، وقيام ثقافة الأشخاص والارتجالية والفلكلور الفج المتدني، مما يخلق ثقافة ملء الفراغ، وهو ما نراه جليا في كل مؤسساتنا الثقافية''. بشير ضيف الله: إنهم يجعلون الهامش في حالة قطيعة مفروضة يعتقد الباحث الأكاديمي والشاعر بشير ضيف الله، بأنه جدير بالذكر التأكيد على أنَّ مفهوم العاصمة في المحمول السياسي بوصفها مركز القرار وواجهة البلد لا يقابله بالضرورة مركزية وانكماش الفعل الثقافي في هذه المنطقة بعينها، هذه المركزية التي تولد نوعا من ''الاحتكار'' و''التغييب'' المُمنهج. وصرح ضيف الله ل''الخبر''.. ''أن الاحتكار الذي يقف في الطرف الآخر من الحراك المنتج، ويجعل الهامش في قطيعة ''مفروضة'' مع المركز الذي يفترض فيه تفعيل فكر الاستقطاب الإيجابي، الاستقطاب الذي يجعله يمارس دوره الحضاري في الربط بين جهات الوطن الواحد ثقافيا، وليس على أساس جغرافي كما هو لافت الآن''. وحتى لا يكون الكلام أقرب إلى التنظير منه إلى الواقع، يشير ضيف الله إلى فعاليات معرض الجزائر الدولي الحدث الثقافي الأبرز بكل ما يحمله المدلول السوسيو-ثقافي لهذه الكلمة. أضف إلى ذلك الفعاليات الثقافية التي تصاحب هذا الحدث، والتي تبقى تراوح مكانها بنفس الوجوه تقريبا، وكأن هذا الوطن المترامي لا يمثله إلا هؤلاء وتلك حكاية أخرى. ويعتقد ضيف الله بأنه حان الوقت لتصحيح هذه الفكرة السائدة التي درج عليها السياسيون وفعَّلتها المؤسسات الثقافية، قصد بعث فعل المشاركة التفاعلية الواعية، والتنوع لن يمر إلا عبر فتح الفضاءات الثقافية من وإلى العاصمة. قلولي بن ساعد: مشاهد التهميش هي نفسها لم تتغير يعتقد الناقد قلولي بن ساعد بأن مشاهد التهميش هي نفسها لم تتغير في الجزائر، وقال ''لا يزال عندنا فقط وهم المركز هو السائد، المركز الوهمي للإشعاع الثقافي كما لو أنه أحد الثوابت التي لا تتغير في إبرازه لطرف دون الآخر على صعيد التداول الإعلامي والثقافي للمنجز الإبداعي والفكري الجزائري، وفرص النشر والذيوع والترجمة والانتشار التي يأخذ منها مثقفو المركز حصة الأسد''. ويرى بن ساعد أن المثقفين الذين ينحدرون من الهوامش القصية يحظون بفرص ضئيلة، وغالبا ما تكون مرتبطة بمحطات ومواعيد موسمية ومناسباتية. ويتم التعامل مع هؤلاء الكتاب -يضيف بن ساعد- كعناصر مكملة لديكور تم الإعداد له بكثير من الانتقاء والمزاجية والشللية وعلاقات التابع بالمتبوع مشهديا، وليس إبداعيا بحكم جناية الجغرافيا على بعض مبدعي الجزائر العميقة''. كمال قرور: ما يحدث في الصالون كل سنة هو الوجه الآخر للتهميش يرى الروائي كمال قرور أنه في حالة ما إذا سايرنا طرح وجود تهميش لكتاب المدن الداخلية، فإنه تهميش كلاسيكي، تمارسه جهات ومؤسسات ثقافية معينة على كتاب ومثقفين في جزائر العمق، ليتم تكريس حضور فئة معينة. وقال قرور ''لذلك أصبحت نشاطات هذه التظاهرات والنوادي مجرد منولوغات معادة، دون صدى ودون تأثير، لأن أصحابها استهلكوا خطاباتهم. وانتهى الأمر''. وختم كمال قرور تدخله بقوله ''ما يحدث في الصالون الدولي للكتاب كل سنة، هو الوجه الآخر للتهميش الكلاسيكي والهدر والتواطؤ. بل الصالون أصبح خيبة ثقافية موسمية كبرى، لأنه مع كل هيئة تنظيمية جديدة، لا نلمس بوضوح، التخطيط، والتصورات والإستراتيجية''. رابح بلطرش: يوجد للأسف أفراد قيمون على ثقافة الإقصاء اعترف رابح بلطرش بوجود قيمون على ثقافة الإقصاء والتهميش. ويعتقد بأن بلد بهذا الثراء لا يمكن أن تحتويه حاضرة أو عاصمة، ليفصح عن ذاته الثقافية. وقال ل''الخبر''.. ''هناك مظاهر لمرض جديد عرف بسماسرة ثقافة المركز، أثبت توتره في حبل منهوك هو حبل الملتقيات الثقافية التي أسست لحضور النخب الوهمية المتواجدة بالعاصمة، وأقصت بذلك مشروعا ثقافيا كان يمكن له أن يكون متحدا ومتحدا اتحاد تضافر وتكامل لا اتحاد تناحر وتفاضل''. وقال بلطرش الذي يرأس تحرير مجلة ''أصوات الشمال'' الإلكترونية، إن أدباء الهامش هم المغيبون عن أعراس المركز. وقال ''لقد كانت الأدوار توزع على الذين جرفهم تيار المركزية، فأصيبوا هم أيضا بعدوى الإقصاء والمداهنة على حساب الوجود الثقافي الذي يتصل في الإبداع اتصالا جغرافيا هندسي لا يؤمن بإقصاء الأمكنة، ليضيف لنهر الإبداع إمتاعا بتجارب الهامش التي تتوالد من تجارب المركز مثلما تتوالد الحركات الدائرية والتي كلما ابتعدت عن المركز ازدادت اتساعا وجمالا لا لتفنى ولكن لتولد من جديد من حركة تليها قادمة''. جمال غلاب: لا بد من تصحيح الفعل الارتجالي في تسيير الآليات الثقافية يرى الكاتب جمال غلاب أنه ''بات من الضروري وليس من الخيار، الدعوة لتأسيس لفعل ثقافي يبرز الطاقات الإبداعية حيثما وجدت. وهذا لا يتأتى إلا من خلال إعادة تنشيط، وتفعيل المجلس الوطني للثقافة، وخلق مرصد وطني مهمته متابعة كل الإصدارات. وأضاف ''متى توصلنا إلى إنجاز مثل هذا النسيج الثقافي، يمكن لنا تحقيق جملة من الأهداف.. خلق فعل ثقافي على مدار السنة، واكتشاف أسماء إبداعية ضمانا لتجسيد المجايلة، وإعادة ترميم منظومة النخب الثقافية والإبداعية. ومثل هذا التأسيس دائما سيكون له الأثر الإيجابي على المعرض الدولي للكتاب الذي يعتبر أكبر تظاهرة ثقافية''. أحسن تليلاني: يفرشون بساط الحرير للقادمين من الخارج يعتقد الكاتب والناقد المسرحي أحسن تليلاني بأن تهميش أدباء الجزائر العميقة وأدباء الجزائر في الداخل عموما من قبل بعض الأوصياء على الشأن الثقافي عندنا، ولاسيما في المناسبات الثقافية الكبرى، على غرار الصالون الدولي للكتاب هو حقيقة ملموسة يعاينها هؤلاء الكتاب بمرارة، ويبتلعون آلامها بصمت دفين. وقال تليلاني ''إن القائمين على الشأن الثقافي عندنا للأسف يفرشون بساط الحرير للقادمين من الخارج رغم أن المثل يقول ''ما أكذب الذي يأتي من بعيد''، مضيفا ''إن الشعور بالتهميش شعور مقيت، ومؤلم حقا. ويعتقد تليلاني أنه ''رغم تكرار هذه الممارسات المشينة في كل طبعة من صالون الكتاب، حيث تتم دعوة نفس الأسماء بنفس التهريج وبمزيد من الريع، إلا أن الملاحظ هو صمت الجميع وكأن الأمر يتجاوز الجميع أيضا''. عبد الله الهامل: نأتي إلى الصالون فقط لشراء الكتب قال الشاعر والكاتب المسرحي عبد الله الهامل إن فعل الكتابة في حد ذاته مهمش في الجزائر، أو أنه بأدق تعبير منسحب من المشهد الثقافي كما كان يقول بختي بن عودة في التسعينيات الماضية. وصرح الهامل ل''الخبر''.. ''إن معرض الكتاب هو دائما فرصة ضائعة لخلخلة ركود هذا المشهد، لكنها دائما تتسيس وتتحول إلى مجرد حدث تطغى عليه الفولكلورية ويسير فعالياته أناس نكرة''. وبحسب الهامل، فإن كتاب العمق عادة لا تتم دعوتهم، وهم كثيرا ما يغزون العاصمة في هذه المناسبة لشراء الكتاب المفقود. إضافة إلى أنه مقصون من المشهد ككل، فنحن لا نملك تقاليد ثقافية ولا هم يحزنون. وقال ''نحن محكومون بالانمحاء من المشهد الثقافي العالمي في الوقت الذي أصبح فيه هذا العالم شارعا واحدا تلتقي على أرصفته كل الأصوات المبدعة دون الحاجة إلى مواعيد''.