يقول الله تعالى: ''إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ونذيرا × لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً'' الفتح.9-8 إنّ من أهم حقوق نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام التعزير وهو النُّصرة والحماية، ومن أهمّ حقوق رسولنا وحبيبنا وشفيعنا يوم القيامة التّوقير وهو التّعظيم والإجلال، وكلّ ذلك يستحقه الرّسول الكريم، والمصطفى الأمين، والمختار على العالمين، بهذا أمرنا ربّ السّماوات والأراضين، أن نفديه بأرواحنا وأموالنا وأهلينا لو أنّنا كنّا معه كما فعل الصّحابة رضوان الله عليهم، حيث بذلوا نحورهم حتّى لا تؤذيه شوكة، وقدّموا كلّ ما لديهم حتّى لا يصل إليه شيء يكرهه أو أدنى أذية، أمَا وقد فاتنا نُصرته حيًّا، فإنّ واجب الدفاع عنه وهو ميت ما زال باقيًا، وواجب التعزير والتوقير لا يزال قائمًا، والنُّصرة والحماية والذود عنه وبذل الغالي والنفيس من أجل إعلاء شأنه وتكريم مقامه بما يليق به صلّى الله عليه وسلّم واجب يتأكّد كلّما شعرنا بأنّ قدر نبيّنا مستباح، أو أنّ مقامه معرّض للإهانة، أو أنّ شيئًا من حياته متخذ للازدراء والسخرية. يجب علينا أن ننتصر له صلّى الله عليه وسلّم، ونردع كلّ متهكّم أو ساخر من شأن رسول الله، ونمقته ونحاربه بكلّ وسيلة شُرّعت لنا، فمَن حارب رسولنا فقد حاربنا، ومَن آذى نبيّنا فقد اعتدى علينا، والبادئ أظلم، فالمسلمون يُكنّون ويجب أن يُكنّوا لنبيّهم التّقدير والإجلال، والحبّ والإكبار، والرغبة في فدائه بكلّ ما يملكون، فلنحبّ رسولنا ونفتديه حتّى يتعجّب الكفار من حبّنا وفدائنا له صلّى الله عليه وسلّم، بمثل مقاطعة السلع والمنتجات الّتي تنتجها الدول الّتي ترتضي أن يساء إلى نبيّنا، فكثير من النّاس يُنكر أو يتعجّب من مقاطعة سلع ومنتجات الدول الّتي ترعى السخرية من رسول الله وتشجّع على ذلك، بل وبعضها يُحفز ويُجري مسابقات في الإساءة لرسول الله، فماذا يضرّني أن لا آكل الجيّد من الطعام، ولا أشرب الجيّد ممّا تصدّره لنا دول لا تمنع الإساءة لرسولنا، وماذا يضرّني أن لا ألبس الجيّد من الثياب، ما دمتُ أصيب هذه الدول المعتدية في اقتصادها، وأضرّها لأنّها تطعن في رسولي وقرّة عيني، والله تعالى يقول: ''فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ واعلموا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ'' البقرة194، نعم، إنّه لا ينبغي أن نرد بظلم، ولكن من واجبي أن أقطع التّمويل عن أيّ مؤسسة أعلم أنّها تحض أو ترضى أو تدعّم مَن يقدح في رسول الله، بل إنّ من المنظمات الغربية كثيرًا ما تدعو إلى مقاطعة بعض الشركات الّتي تضرّ في إنتاجها بالبيئة أو تتسبّب في هلاك بعض المخلوقات. فالمقاطعة سلوك حضاري، والمسلمون ما ظلموا حينما تواصوا على مقاطعة سلع معيّنة ومنتجاتِ دولٍ معينة، أسهمت في الإساءة لرسول الله، أو أشادت بالّذين يحطُّون من قدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمّا غيرهم ممّن لم يسلكوا هذا السلوك المشين فلا ضير في استقبال سلعهم. ولتكن لنا وسائل مشروعة نُدلّل بها على حبّنا لرسول الله وعلى إنكارنا ورفضنا للمساس بكرامته، ونُسمع العالم أنّنا نرفض أن يُمسّ رسولنا بعد وفاته كما كان الصّحابة يكرهون أن يُؤذى في شعرة من شعراته، غير أنّه لابدّ أن نعلم أنّ الاعتداء لا يجوز في ديننا، قال تعالى: ''وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ'' البقرة190، فلنُقاطع، ثمّ لا نُبالي بمَن يتعجّب من إنكارنا، لأنّ العجب إنّما يكون ممّن لا يغضب الله تعالى، ولا تهتز مشاعره لما يُتطاول على رسول الله ويُذكر بما لا يليق به، فقد كان الصّحابة رضوان الله عليهم لا يطيقون أن يسمعوا شيئًا يحتمل أن يكون فيه أدنى نقص من قدر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكيف يكون حالهم إذا سمعوا مَن يحطّ من قدر النّبيّ صراحة، ويُجاهر علنًا بالإساءة إلى رسول الله أو نسائه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استبّ رجلان: رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال المسلم: والّذي اصطفى محمّدا على العالمين، فقال اليهودي: والّذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسلمَ فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يوم القيامة فأُصعق معهم فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يفيق، فَإِذَا مُوسَى باطش بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ''، فلم يحتمل الصّحابي الجليل أن يسمع من اليهودي تفضيل موسى عليه السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا الحديث من الدلالة على عظمة هذا الرّسول الكريم وتواضعه، وشهادته لإخوانه من المرسلين، وفيه أيضًا الدلالة على عدل الرّسول وإنصافه ما حمل اليهودي على الذهاب إليه وشكاية المسلم له، فما أعظم رسولنا، وما أجلّ قدره، وما أجمل أخلاقه، ومع ذلك ما أشدّ تواضعه. ولمّا كان نبيّنا بهذه الصّفات العظيمة فلا يحق لأحد أن ينتقصه أو يسخر منه، لعدّة أسباب أهمّها، أنّه ليس فيه ما يزدري به، وأنّ الله اصطفاه على العالمين، وأنّه حبيب الرّحمن، وإنّ حقَّ من يزدري رسول الله ويسخر منه أن يُقتل إذا ثبتت السخرية منه ولم يتب، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أَنّ أَعمَى كَانَت لَهُ أُم وَلَدٍ تَشتُمُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَتَقَعُ فِيهِ فينهاها فَلاَ تَنتَهِي، وَيَزجُرُهَا فَلاَ تنزجر، قال ''فَلَمّا كَانَت ذَاتَ لَيلَةٍ جَعَلَت تَقَعُ فِي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَتَشتِمُهُ، فَأَخَذَ المِغوَلَ فَقتَلَهَا، فلمّا أَصبَحَ ذِكرَ ذلكَ لرسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم فَجَمَعَ النّاسَ فقال: ''أَنشُدُ اللهَ رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي، عليهِ حَق إِلاّ قَامَ''، فقامَ الأعمَى يَتَخَطّى النّاس وَهُوَ يَتَزَلزَلُ حتّى قَعَدَ بَينَ يَدَيِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول اللهِ أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَت تشتمك وَتَقَعُ فِيكَ فأنهاها فَلاَ تَنتَهِي، وَأَزجُرُهَا فَلاَ تنزجر.. فَلمّا كانت البارحة جَعَلَت تشتمك وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَذتُ المِغوَلَ فَقَتَلتُهَا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''أَلاَ اشهدوا أَن دَمَهَا هَدَرٌ''. والمِغوَل: شبه سيف قصير. *إمام مسجد الرّحمان - براقي