يبدو أن السلطة في البلاد قد يئست من تعبئة الشعب كما يئس الكُفّار من أصحاب القبور، فوصلت إلى قناعة مفادها عدم جدوى تحسيس المواطنين لأداء واجبهم الانتخابي، فلم تعد تفصلنا سوى 84 ساعة عن إعلان بداية حملة التنافس بين الأحزاب على مقاعد المجالس البلدية والولائية، ومع ذلك لم تلجأ وزارة الداخلية إلى رسائل ''الأس أم أس'' التي عاقبت بها المواطنين في الاستحقاقات الماضية، ولم نستشعر حتى الآن سيناريو التهويل والتخويف الذي أسّس لاحتمالات تسجيل طامّة كبرى إذا تمرد المنتخبون عن حضور عرس العاشر من ماي المنصرم. لقد وصل الأمر في التشريعيات، التي التهم مقاعدها الحزب العتيد، إلى حدّ الترويج للنداء الذي وجّهه الشيخ العلاّمة أبو بكر جابر الجزائري لعامة الجزائريين، داعيا إيّاهم إلى الذهاب بقوة إلى صناديق الاقتراع من أجل تفويت الفرصة على المتربصين بالبلاد، كما وقف الأئمة على صعيد واحد لحمل المواطنين على أداء واجبهم الانتخابي، وفي مقدمتهم وزير القطاع الذي وضع المقاطع للانتخاب وكاتم الشهادة في نفس درجة الإثم ومنزلة الوزر، ناهيك عن الومضات الإشهارية التي سوّقت من أجل ''ربيعُنا هو الجزائر'' بدل الربيع العربي الذي هب ريحه على العديد من الدول، فساق حُكاما إلى السجن، واضطر آخرين إلى الهروب والمنفى، واستعجل البقية الباقية إلى الدار الآخرة.. غير أن كل هذه الإجراءات وغيرها غابت هذه المرة على بُعد أقل من شهر عن التاريخ الموعود، وكأن الخطر الذي كان يتربص بالبلاد في ماي زال في انتخابات نوفمبر، اللّهُم إلا إذا كان القائمون على الأمور يرون من وراء حُجُب، ويعلمون في علم الغيب بأن الناس سيهبّون هبّة رجل واحد من أجل اختيار مرشحيهم، وهذا أمر مستبعد جدا، أو أن أهل الحل والربط سلّموا بأن حملات التحسيس مثلُها مثل الذي يسقي الماء في دلو مثقوب. وبغض النظر عن التشكيك الذي أجمعت عليه جُل التشكيلات السياسية المُشاركة في انتخابات الربيع حول نسبة المشاركة، وإذا سلّمنا جدلا في صحة الأرقام التي صدّرتها وزارة الداخلية عقب إعلان النتائج آنذاك، فإن 12 مليون جزائري امتنعوا وقتها عن الإدلاء بأصواتهم رغم كل التطبيل والتزمير والتخويف الذي اختُتم بخطاب ألقاه رئيس الجمهورية عشية الانتخابات مُحتواه أننا على أعتاب مرحلة مفصلية لا خيار فيها إلا النجاح، وهو مؤشر خطير مرجح للتفاقم أكثر في ضوء برودة تعاطي المواطنين مع أخبار المحليات، وتهرب النُخب عن دورهم في العمل السياسي، وتماطل الجهات الوصية حتى في التحضير المادي للعملية مثلما عوّدتنا على ذلك، في ضوء تأخر تنصيب لجان مراقبة الاقتراع الوطنية والولائية، وتأخر إجراء القرعة لتحديد أرقام الأحزاب، وغياب الأعمدة الإشهارية الخاصة بقوائم المترشحين في الشوارع والساحات العمومية في مشهد غريب وعجيب، أفضى في نهاية المطاف إلى عُلو أصوات تنادي بتأجيل العملية الانتخابية برُمتها إلى أن يتغير الحال من مشاهد انتخابات في قناع شبه إضراب عام عن التصويت، إلى مشاهد انتخابات في صورة اقتراع طبيعي يجلب اهتمام عامّة الناس. [email protected]