أغلقت محكمة بني صاف، التابعة لمجلس قضاء سيدي بلعباس، أول أمس، قضية ''الدعارة'' التي تم إثرها، منتصف نوفمبر الماضي، توقيف ثلاثة قضاة تحفظيا من طرف الوصاية، بمطالبة النيابة التي كيفت التهم، بإبطال إجراءات متابعة ثماني فتيات وسبعة رجال ألقت عليهم مصالح الدرك الوطني القبض في مركب ''النبيل'' منتصف ليلة 7 نوفمبر الماضي. كان الإحباط باديا على وجوه أعوان وضباط الدرك الوطني، الذين التقتهم ''الخبر'' زوال الخميس الماضي في بني صاف، وهو اليوم الذي جرت فيه المحاكمة في هذه القضية التي أحيلت من طرف النيابة على محكمة الجنح ووجهت للمتابعين تهم عديدة، منها إنشاء محل للفسق والدعارة، الاستدراج، السكر، الصخب وغيرها. وهذا بعد أن شاع في المدينة ''حجم التحامل'' على الضبطية القضائية، من طرف ممثل النيابة العامة والمحامين الذين رافعوا في حق المتهمين. وتعتبر هذه المحاكمة ''تاريخية''، باعتبار أنها شهدت ''انقلاب النيابة على نفسها''. فبعد أن كيّفت القضية على أساس أنها جنحة ممارسة الدعارة، خلال التقديم وأحالت القضية على المحاكمة في إطار إجراءات التلبس، عادت لتقول ببطلان الإجراءات وتؤكد أنه لا توجد جريمة، وبأن ضباط وأعوان الدرك الوطني الذين داهموا البنغالو رقم 33، خالفوا الدستور ولم يلتزموا بالقانون، وبالتالي، فإن ما اكتشفوه داخل البنغالو، لا يمكن على أساسه متابعة المتهمات والمتهمين، وهي المرة الثانية في تاريخ القضاء الجزائري، التي تقف فيها النيابة ''التي لا تتجزأ'' مع المتهمين، بعد قضية الشاب خالد أمام محكمة الصديقية بوهران في بداية الألفية، حين تنقل إلى هذه المدينة على متن سيارة تابعة لرئاسة الجمهورية، والتمس له حينها وكيل الجمهورية البراءة من التهم التي وجهها له حينها خصمه ومنتجه السابق الراحل قاضي ميسوم. قضية بني صاف بدأت ''خطيرة''، بدليل أن المفتش العام لوزارة العدل، تنقل إلى عين تموشنت في اليوم الموالي لانفجارها، وهو في عطلة نهاية أسبوع. وتحولت بعد أربعة أسابيع يوم محاكمتها التي غاب عنها الأشخاص الثلاثة الذين تنقل بسببهم المفتش العام، إلى ''ظلم'' تعرضت له سبع فتيات على يد ضباط وأعوان الدرك الوطني، اجتمعن في بنغالو لإحياء عيد ميلاد إحداهن. وحرص ممثل الحق العام على التوضيح أن كل الفتيات المحتفلات راشدات، وكان هو الذي ذكر أن الفتاة التي قيل إنها قاصر مولودة في ماي .1994 أما رئيس هيئة المحكمة، فحرص على تكرار نفس الأسئلة على المتابعين: أين كانوا خلال مداهمة الدرك للموقع؟ وللفتيات: هل استدرجهن أحد؟ أو تلقين أموالا مقابل تواجدهن في تلك السهرة في البنغالو رقم 33 ؟ هل هن متعوّدات على السهر فيه؟ وكانت الأجوبة بالطبع، لا. وأكثر من ذلك، أحضرت هيئة المحكمة الشاب الذي حضر ''كعكة'' عيد الميلاد، ليشهد أنه حضرها ونقلها إلى البنغالو بطلب من المحتفلة. وقال أحد المحامين في مرافعته ''إننا كلنا هنا نعرف أن القضية تصفية حسابات'' ولم يوضح بين من ومن. وقال آخر: ''لماذا لم تتابع المحكمة ذلك الشخص الذي قدم للدرك بلاغا كاذبا حول ممارسة الدعارة وشرب الخمر والصخب في البنغالو؟''. وكان بإمكان الجزائريين والجزائريات أن ''يتمتعوا'' أكثر بمجريات هذه المحاكمة لو أنها نقلت على المباشر في التلفزيونات، كما يحدث في مصر، لكن المتقاضين وأعوان وضباط الشرطة والمحامين الذين كانوا هناك للمرافعة في قضايا أخرى، وكل الذين كانوا حاضرين يوم الخميس الماضي في محكمة بني صاف، عاشوا ثلاث ساعات ''تاريخية'' في سجل القضاء الجزائري، ودون مبالغة. وتساءل أحد المحامين غير المعنيين بهذه القضية: ''لماذا لم تقم النيابة العامة بطيّ الملف على مستواها، ما دامت اليوم تقول ببطلان الإجراءات؟ ولماذا لم تحلها على التحقيق القضائي؟ ربما كان ذلك سيكشف أمورا تساعد المحكمة على إظهار الحقيقة''، خاصة أن المحاكمة في هذه القضية سبقتها إشاعات كثيرة حول قرار القيادة العامة للدرك الوطني، بعزل قائدي كتيبة وفرقة بني صاف، وقد تأكدت ''الخبر'' أن المعنيين وكذا مجموع الأعوان الذين شاركوا في مداهمة البنغالو رقم 33، مازالوا يمارسون مهامهم ويشغلون مناصبهم، في حين لم يظهر أي خبر عن ضابط البحرية الذي أبلغ عما كان يحدث في تلك الليلة في مركب النبيل، وهو الذي تأكد أنه كان على علاقة مع إحدى الفتيات المشاركات في ''حفلة عيد الميلاد''. والغريب في هذه المحاكمة، التي مثل فيها ''رجال'' مطأطئي الرؤوس، وفتيات لم يفعلن كما تفعل اللائي يتم القبض عليهن في مثل هذه المواقف، وتقدمن أمام المحكمة غير مرتديات للجلابات ولا مغطيات رؤوسهن، أنه لا أحد سألهن سواء رئيس المحكمة أو ممثل النيابة أو المحامين، عن الأشخاص الثلاثة الذين أوقفتهم معهم مصالح الدرك الوطني، والذين بسببهم قامت هذه القيامة التي تحدثت عنها حتى القنوات الأجنبية، كما نبّه أحد المحامين، الذي لم ينس، بالمناسبة، أن يوجه اللوم للصحافة التي ضخمتها.