قيادات الأحزاب تحتقر مقاعد المجالس المحلية وتفضل الترشح للبرلمان لو يمارس رؤساء البلديات صلاحياتهم لما بقيت بناية فوضوية واحدة ما هو الجديد الذي حملته الانتخابات المحلية الأخيرة للساحة السياسية؟ في اعتقادي لم تأت الانتخابات المحلية الأخيرة بجديد إذا استثنينا عدد النساء المنتخبات. إنه شيء إيجابي، لكن حتى هذه النقطة تحتاج إلى نقاش لأن الأحزاب لم تعتمد على ترشيح مناضلات بل راحت تبحث عن النساء عشية الانتخابات. ومن سلبيات هذه الانتخابات، غياب شخصيات سياسية بارزة ترشحت فيها ما عدا السيد عبد الحميد أبركان. فقيادات الأحزاب لا تترشح عادة في الانتخابات المحلية لأنها تحتقرها وتفضل الانتخابات البرلمانية، بينما النضال يبدأ من البلدية. الملاحظة الثانية تكمن في اكتفاء الأحزاب بالتصريح بوجود تزوير دون أن ترفع شكاوى مع تقديم الدليل قصد المتابعة. ولو كان للأحزاب مناضلات ومناضلون لتمكنوا من القضاء على التزوير والحد منه على الأقل. ولذلك ينبغي على الحزب الذي لا يملك عدد مناضلين يساوي على الأقل عدد المقاعد الانتخابية ألا يتقدم للانتخابات أو يشارك فيها عن طريق الائتلاف، لأن القانون يسمح بمراقبة العملية الانتخابية وعملية الفرز ويسمح باستلام محضر وتسجيل ملاحظات عليه. إذن حتى لو كانت السلطات العمومية مسؤولة عما يحدث في أي عملية انتخابية، فللأحزاب أيضا جزء من المسؤولية. نفهم من تحليلكم، أن مشكلة الساحة السياسية الجزائرية تكمن في غياب أحزاب بأتم معنى الكلمة؟ يمكن القول أن المشكل لا يكمن في قوة السلطة بل في ضعف الأحزاب. فعندما نتابع انتخابات رؤساء البلديات، نجد عدة انحرافات وتحالفات غير طبيعية. وكذلك الشأن بالنسبة لتسيير البلدية، إذ نجد فيه مسؤولية الأحزاب أكثر من مسؤولية السلطة كون خدمة المواطن في بلدية ما لا يحتاج إلى السياسة والبحث عن الأغلبية والأقلية، بل يحتاج أن يخدم كل منتخب مصلحة المواطن بدل مصلحته الشخصية ومصلحة حزبه. يقال أن رؤساء البلديات ليست لهم صلاحيات واسعة، لكن هناك حقيقة أخرى أنهم لا يمارسون حتى الصلاحيات المخولة لهم في قانون البلدية الحالي. ما هي هذه الصلاحيات مثلا؟ كلما يتعلق بالحياة العامة في البلدية، من سكينة وتنظيم المرور والبناء والبيئة والاعتناء بالمدارس وتنظيم التجارة والحد من الفوضى التي تتميز بها مدننا وصلاحيات أخرى. فما نراه من بنايات فوضوية وقمامات وإساءة للبيئة... كلها دليل على أن رؤساء البلديات لا يمارسون صلاحياتهم. وبالنسبة للمداولات، على الأحزاب أن تعمل من الآن ولا تنتظر عشية الانتخابات القادمة، على اقتراح تعديل لقانون البلدية يجعل مداولات المجلس البلدي نافذة مهما كان موقف الإدارة مع فتح المجال للولاة للطعن فيها لدى القضاء الإداري وليس العكس كما هو معمول به حاليا، أي ترفض الإدارة المداولة ويطعن المجلس... تعلمون السيد آيت العربي أن رؤساء البلديات مغلوبون على أمرهم أمام القوة العمومية. وبالتالي لا يستطيعون ممارسة صلاحياتهم التي تطرقت إليها. وهنا المشكل، زيادة على نقص الإطارات التي تترجم قرارات رؤساء البلديات في الميدان؟ بخصوص الإطارات هناك حلول، كأن تستعين البلديات النائية مثلا بالإطارات الموجودة في المدن الكبرى. أنا أعرف العديد من الإطارات والجامعيين المستعدين لمساعدة البلديات مجانا بخبراتهم التقنية، شرط أن تترجم المجالس البلدية عملهم في الميدان ولو بنسب متفاوتة. لكن المجالس البلدية هي التي لا تستعين بهذه الإطارات. أما بالنسبة للقوة العمومية، فإذا وضعت البلدية مثلا إشارات المرور لا بد للقوة العمومية أن تطبق القانون، وإذا لم تفعل يتصل رئيس البلدية بالمديرية العامة للأمن الوطني ثم وزارة الداخلية وفي آخر المطاف يعقد ندوة صحفية يقدم فيها الدليل على أن القوة العمومية لم تطبق القانون ولم تستجب لأوامره ويقدم استقالته بعدها إن اقتضى الأمر. وفي اعتقادي لا يوجد ما يمنع رئيس البلدية ومساعديه من التجول في شوارع مدينته أو الأسواق والمداشر... ثم اقتراح حلول لمشاكل السكان. وفي مجال البناء الفوضوي بشكل خاص، هل تعلم أن كل بناية سواء سكنية أو مرفق ما يوجب القانون على صاحبها أن يعلق رخصة بنائها ومن ثمة تراقب مصالح البلدية يوميا أو أسبوعيا البنايات وتفرض على أصحابها احترام المقاييس القانونية والعمرانية. لكن عندما نترك عدد البنايات الفوضوية يتراكم ويصل إلى 1000 أو أكثر يصبح تدخل قوات الأمن مخلا بالنظام العام ويتحول إلى مواجهات وجرحى بين أفراد الأمن والمواطنين... عندما نقول إذن إن قوات الأمن لا تستجيب لرئيس البلدية، فهذا أمر بحاجة إلى توثيق ولا بد أن نضيف أن شخصية رئيس البلدية تلعب دورا في هذا المجال، إذ يتطلب منه الالتزام بما يسمى بالتحفظ في كل مناحي الحياة حتى يحظى بالسلطة المعنوية. هناك تراكم المشاكل كما تقولون. فمن أين يبدأ رؤساء البلديات الجدد لممارسة صلاحياتهم على أكمل وجه؟ هناك حلول، كأن تحصي البلديات السكنات الفوضوية وتشعر أصحابها بضرورة احترام المعايير بدل هدم بناياتهم. وعندما تبقى حالات غير قابلة للتسوية كالبناء على أملاك عمومية... هنا يتخذ قرار الهدم. برأيكم هل المشكل في كفاءة رؤساء البلديات أم في شيء آخر؟ المسألة تحتاج للإرادة السياسية بالدرجة الأولى ولا تحتاج إلى كفاءة كبيرة، وفي اعتقادي هذه الإرادة السياسية غائبة على كل المستويات. وبعبارة واحدة، يمكن تحسين الظروف المعيشية للمواطنين بتطبيق القوانين الحالية، ثم نطالب بتعديلها. وماذا عن علاقة الوالي بالمنتخبين المحليين. ألا تعيق سيطرة إرادة الوالي على أداء رؤساء البلديات لمهامهم؟ عندما يكون رئيس البلدية حريصا على ممارسة صلاحياته فالحاكم بينه وبين الوالي هو القانون. أما الاختفاء وراء تداخل الصلاحيات أو سيطرة الوالي على رؤساء البلديات... فهذا كلام غير مقنع. وإذا كانت قوة الوالي تكمن في القانون، فإن قوة رئيس البلدية تكمن في التفاف السكان حوله، ولن يحصل له ذلك إلا إذا بذل جهدا لحل مشاكلهم حسب المستطاع. لهذه الأسباب إذن ابتعدتم عن العمل السياسي؟ ابتعدت عن العمل الحزبي والانخراط داخل هياكل حزبية. أما السياسة فأعيشها يوميا لأنها تعني مشاكل الجميع.