فايد يؤكد أهمية تعزيز القدرات الإحصائية من خلال تحديث أدوات جمع البيانات وتحليلها    رئاسة الجزائر لمجلس الأمن: شهر من الإنجازات الدبلوماسية لصالح إفريقيا والقضايا العادلة    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس": مباراة "مفخخة" للمتصدرواتحاد الجزائر في مهمة التدارك ببجاية    فلسطين: غوتيريش يطالب بإجلاء 2500 طفل فلسطيني من غزة "فورا" لتلقي العلاج الطبي    فلسطين: "الأونروا "تؤكد استمرار عملها رغم سريان الحظر الصهيوني    وزير الاتصال يعزي في وفاة الصحفي السابق بوكالة الأنباء الجزائرية محمد بكير    انتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الامة المنتخبين: قبول 21 ملف تصريح بالترشح لغاية مساء يوم الخميس    السوبرانو الجزائرية آمال إبراهيم جلول تبدع في أداء "قصيد الحب" بأوبرا الجزائر    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    بوغالي في أكرا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهنة لا يتمناها أصحابها لأعدائهم
عمال التشحيم في البواخر..
نشر في الخبر يوم 28 - 12 - 2012

بقدر ما لهم من ''الحظ السعيد'' في زيارتهم لمختلف دول العالم لأكثر من مرة، دون حاجة للفيزا وإجراءاتها المعقّدة للحصول عليها، بقدر ما حياتهم منصوبة على ''كفّة الموت''، ذلك أن مهنتهم مرهونة بقطعهم البحار لمسافات طويلة بين قارة وأخرى، هي أشبه برحلات بين الحياة والموت، وهذا بالطبع لا يعني أن ظروفهم المهنية والاجتماعية مريحة..

عامل التشحيم يتساوى مع الربّان ''عملاً وتعباً''
الخطأ ممنوع وإلاّ غرقت السفينة
الحديثعن مهنة عمال التشحيم بالباخرات، لا سيما التجارية منها، ومحنها في ظلّ ظروفها القاسية، يحيلنا على استحضار ''أعقد وأصعب'' قضية شهدها العام الماضي، ووضعت الدولة الجزائرية في مأزق حقيقي، هي حادثة اختطاف باخرة البليدة، وعلى متنها
17 بحارا، مدة 11 شهرا كاملا في قبضة قراصنة صوماليين.
لم يكن يدري هؤلاء البحارة، ومنهم عمال التشحيم، بأن رحلة العمل ''بحثا عن لقمة لأبنائهم'' ستكلّفهم ثمنا باهظا، فيكون وقوعهم ''مختطفين'' بين أيدي قراصنة أكبر خطر يهدّد مهنتهم في عرض البحار والمحيطات. وقال عددهم منهم، في حديث مع ''الخبر''، إن تلك اللحظات تمنّوا فيها لو أنهم كانوا يبيعون ''الكاوكاو'' على أرصفة الشوارع، على العيش لحظة واحدة في وضع يشعرون فيه أن الموت هو كل ما تبقّى لهم. سألتهم ''الخبر'' عن عددهم الحقيقي، فاستغربوا السؤال، لأن رقمهم ب''الضبط'' ليس معناه ''معاناتهم''، فيكفي أن يكون عامل تشحيم واحد يروي ''محنة مهنته''، فتصبح عنوانا لكتاب يحقّق أعلى المبيعات، فلا يتمنى كل ''شغوف'' بمهنتهم ممارستها، ولو لدقيقة واحدة، لأنها ليست فقط زيارات دول العالم وإن كانت، حسبهم، ''الحسنة'' الوحيدة في مهنتهم.. فليس السفر المجاني بلا تعقيدات الفيزا لتخطّي البحار والمحيطات، والتنقّل إلى ضفاف أجمل الدول، والاحتكاك ب''حضارات الأمم'' وكسب ''صداقات الشعوب''، معناه أن مهنتهم لا تشوبها الأخطار والظروف المهنية والاجتماعية غير المريحة.
ومهمّة عامل التشحيم تتمثّل في تزييت الأسطح المنزلقة وتشحيم الأجزاء المتحرّكة في الآلات والمعدّات الميكانيكية على سطح سفينة عائمة، كما يُجري معاينة دورية على الآلات ويفحص المقاسات وأجهزة الحرارة، ويضبط ضغط مواد التشحيم وتدفقها للأجزاء المتحركة في جميع التجهيزات. بالإضافة إلى ذلك فهو يملأ المشحّمات ويجدّد الزيت في حوض الزيت في كافة الآلات، علاوة على صبّ الزيت والتشحيم في أجزاء المحرّكات التي لا يتم تزييتها وتشحيمها أوتوماتيكيا، ويعاون المهندسين وميكانيكي غرفة الآلات والمحرّكات على إصلاحها وصيانتها، فضلا عن قيامه بتنظيفها وكذا غرفة المحرّكات، دون إغفال تطبيق أسس وتعليمات السلامة والصحة المهنية. وتخضع هذه الفئة لإشراف ضابط إداري يعمل على توفير المؤن بشكل دائم على السفينة وتحضير وجبات الطاقم في مواعيدها، وأحيانا يشرف على قسم عمال التشحيم الربّان في حد ذاته، أو أحد الضباط، كما يساعدهم فنّيون في أعمال الصيانة وكذلك أشغال النظافة في غرفة المحرّكات. ويوضّح محدّثونا، وهم الذين لا تقل خبرتهم عن 25 سنة، أن الخطأ غير مسموح به على السفن والباخرات، فإذا تقاعس عامل التشحيم عن أداء دوره على أكمل وجه ف''الويل له''، وهذا ليس ''مزية'' منه، لأنّ مصير الباخرة وسلامتها ورسوها على برّ الأمان يتحمّل مسؤوليتها مثل ربّان الباخرة، كيف لا، يضيف محدّثونا، والمحرّكات بين أيديهم.

شاهد من أهلها

الأمين العام لنقابة عمال ميناء الجزائر دراجي بوروبة ل''الخبر''
''القبطان مخّ السفينة وعامل التشحيم معدّتها''
أكّد الأمين العام لنقابة عمال ميناء الجزائر، دراجي بوروبة، ل''الخبر''، أن مهنة التشحيم بالباخرات والسفن صعبة جدا لكنها غير قابلة للزوال، موضّحا، في المقابل، أنها تحسّنت بكثير في السنوات الأخيرة، نظرا لنضالهم الكبير لافتكاك حقوقهم والقضاء على أكبر مشكل كانوا يعانون منه، وهي مادة ''الأمنيوت'' المستعملة في تغليف مدخّنات البواخر. وأفاد، ردّا على أسئلة ''الخبر''، أن عامل التشحيم هو بمثابة ''معدّة السفينة''.
ما هو أكبر مشكل يعاني منه عمال التشحيم؟
الحمد لله، أوضاع عمال التشحيم تحسّنت مقارنة بالسنوات الماضية. فقد كان أكبر مشاكل تعاني منه هذه الفئة هي مادة ''الأمنيوت''، التي تستعمل في تلفيف مدخّنات البواخر والسفن، لكن إزالتها من قِبل السلطات المعنية لم يكن إلا بعد أن فقدنا العشرات من زملائنا الذين هلكوا بعد إصابتهم بمختلف الأمراض جراء الاحتكاك بهذه المادة، لاسيما مرض السرطان الذي حصد أرواح معظمهم. وبعد احتجاجنا، ورفع العشرات من المطالب بخصوص هذا الخطر، قام المسؤولون بإجراء تحاليل على هذه المادة وأثرها على صحة عمّال التشحيم، فتقرّر، رسميا، منذ مدة قصيرة، عدم استخدامها في محرّكات وآلات تشغيل البواخر، حفاظا على سلامة المستخدمين.
ما الذي تتطلّبه مهنة عامل التشحيم؟
أولا وقبل كل شيء، القدرة على التحمّل والصبر والانتباه الشديد، سمات ضرورية يشترط أن يتميّز بها عامل التشحيم، نظرا لتعلّقها بمهنته الصعبة التي لا تقبل الخطأ، والمرتبطة بمحرّكات السفينة. فإذا كان القبطان هو مخّ الباخرة، يعمل على ضمان سيرها وإبحارها في الطريق الصحيح والوصول بها إلى بر الأمان، فإن عامل التشحيم هو معدّتها، فإذا لم يعط الاعتناء اللازم للمحرّكات والسهر على جاهزيتها، فالسفينة لن تنطلق، والقبطان، في هذه الحال، لن يستطيع القيام بأي شيء. ثانيا، مهنة التشحيم تتطلّب شهادة تكون تتويجا لتكوين مدّته 9 أشهر بالمركزين الوطنيين في ولايتي مستغانم وبجاية. كما لا يشترط سنّ للالتحاق بالمهنة، فكل من أنهى الخدمة الوطنية بإمكانه إيداع ملف للعمل.
ما هي المطالب التي لم تتحقّق لهذه الفئة؟
لحسن الحظ أن الشركة الأم تحاول توفير كل الإمكانيات اللازمة لضمان وضع مهني، على الأقل، مريح لعمال التشحيم، رغم أن مهنتهم صعبة جدا في ظلّ مخاطرها، كما إنها، أيضا، مهنة لا تزول إلا بزوال البحار. ولحدّ الساعة، بقيت مطالب نناضل من أجل كسبها، نظرا لدخولها في صلب حقوق عامل التشحيم، فهذا الأخير ينطلق من كونه عامل نظافة، ليتدرّج، مع توفّر الخبرة، ليصبح عامل تشحيم، ثم بعدها مسؤول التشحيم بالباخرة، وهي رتبة نحاول، مع الإدارة، لإدراجها ضمن الاتّفاقية الجماعية، على اعتبار أن القوانين لم تكن تنص عليها، رغم اكتسابها طابع الشرعية الكاملة.

بورتريه

عبد الرحمن عجالي.. 34 سنة خدمة في التشحيم
''حُرمت من راتبي عامين عن خطأ لم أرتكبه''
التحق بعمل التشحيم لأول مرة عبر باخرة ''مستغانم''، وهو في ريعان شبابه لا يتعدّى عمره 26 سنة، حاملا بين يديه شهادة تحصّل عليها بعد خضوعه لتكوين دقيق، شمل كل ما يتطلّب كشروط لقطع البحار والمحيطات. هو البحّار عجالي عبد الرحمن، عامل التشحيم بخبرة انطلقت فصولها التراجيدية بتاريخ 13 أفريل 1978.
عامل التشحيم عبد الرحمن عجالي من مواليد 30 مارس 1952 بالعاصمة. بيته الذي زرناه الواقع بالحي الجديد لسكنات ''عدل'' في المحمّدية، تحكي كل زاوية من زواياه حكاية مضحكة ومبكية، عن رجل قضى عمره كله وسط البحار والمحيطات، وركب كل الباخرات التي تمتلكها الجزائر سنوات السبعينيات والثمانينيات، قبل إقرار بيع مجملها ''قطع غيار''. محدّثنا، المحال على التقاعد، اختار أن يعيش بقية عمره لا يرغب أن ينسى زرقة البحار وعرضها التي يعرف تفاصيلها، كما يعرف دليل الصحراء تشعّبات الجنوب الكبير.
قال عبد الرحمن عجالي، متحدّثا ل''الخبر''، إن مهنة التشحيم في الباخرات ليست فقط رحلات نحو بلدان العالم فقط، بل هي مسؤولية كبيرة وأرواح بشر معلّقة برقاب عمال التشحيم، فأي خطأ أو قلّة انتباه، أو حتى هفوة صغيرة، في تشحيم وتزييت المحرّكات معناه تعريض مئات الركّاب إلى موت محقّق. وفي السياق، ذكر محدّثنا أنه لا توجد دولة بها بحر إلا وزارها، بل أحيانا حتى تلك التي لا تتوفّر على بحار، موضّحا أنّه زار العالم خلال 34 سنة خدمة 4 مرات.
وأفاد محدّثنا، أن الظروف على متن البواخر كانت إلى حدّ ما ''حسنة'' من حيث النوم والأكل، لكنها كانت رحلات من دولة إلى دولة تشبه رحلات بين الحياة والموت، مضيفا ''لا تعرف عند انطلاق الباخرة أنك سترسو في برّ الأمان، أو أنّك ستعود إلى أولادك سالما''. والأصعب في الرحلات كلها، حسب محدّثنا، تلك المتوجّهة نحو البحر الأحمر، حيث يتطلّب الأمر رفع درجة حرارة المحرّكات إلى 50 درجة.
وروى عامل التشحيم عبد الرحمن عجالي، حادثة دفع فيها الثمن غاليا عن خطأ لم يرتكبه، يتعلّق باختراق 6 ''حرافة'' رحلة بين الجزائر ومرسيليا في باخرة ''ابن رشد''، شهدوا زورا، كلهم، لضابط السفينة أنه شاهدهم عند صعودهم، الأمر الذي يعتبر مخالفا للقانون الداخلي، القاضي بالتبليغ الفوري عن مثل هذه الحالات، موضّحا أن شهادة الزور تلك كلّفته تحويل ملفه على العدالة وحرمانه من راتبه الشهري مدّة عامين كاملين، دون الحصول على تعويض مادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.