لم تعد تيبازة، تلك المدينة السياحية الساحلية الهادئة. فقد تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى نقطة سوداء حقيقية بعدما أحكمت الجماعات الإجرامية قبضتها، وأدخلت المواطنين في حالة من الرعب ''الخوف والهلع'' بعد تزايد حالات الاعتداءات المسلحة بالقتل، الضرب، العنف والإختطاف. خلايا ''كافيس'' و''زامبريطو'' عكرت هدوء المدينة المسبوقون قضائيا.. يفرضون قانونهم شكلت سنة 2010 منعرجا في ارتفاع معدلات الإجرام والاعتداءات على الأشخاص بتيبازة، حيث شهدت السنة ذاتها عدة جرائم قتل بشعة ارتكبت حتى ضد الأصول، كما حدث بالدواودة، أين أقدم شاب على قتل والدته، وجرائم أخرى ارتكبت بشرشال وحجوط وبورقيقة، وحادثة قتل شاب صديقه التاجر، ثم إقدام جندي بفوراية على قتل زميله بثكنة الخشب المقدّس بفوراية، غير أن سنتي 2011 و2012 تميزت بأكثر اعتداءات نفذت بالسلاح الأبيض لم تميز حتى بين المواطن العادي ورجال الأمن وحتى الرعايا الأجانب. وسجلت سنة 2011 ما لا يقل عن 10 جرائم قتل فظيعة، منها أربع سجلت في شهر جوان لوحده، بعد أن دشّن المجرمون هذه السنة بالاستيلاء على سلاح ناري لبرلماني سابق تحت طائلة التهديد بالقتل بالدواودة، ثم قضية ''كافيس'' الذي سفك دم صديقه بفوراية بسبب المال، تلتها جريمة قتل رجل من فوكة بكورنيش الشنوة. ليفتتح المجرمون موسم الاصطياف بأربع جرائم قتل، منها مقتل شاب بشاطئ شنوة، تلتها قضية ''زامبريطو'' القاصر المسبوق الذي أزهق روح الحارس الليلي بحجوط، ثم قضية مقتل شاب في 26 من العمر بشاطئ لاكاف بالداموس، الذي وجد جثة هامدة من طرف المصطافين وقضية مقتل ''الكلونديستان'' المنحدر من مدينة القليعة وصديقه من العاصمة بمنطقة'' كوشة الجير'' بكورنيش شنوة. وتوالت جرائم القتل، حيث سجل في نفس الفترة الصيفية إزهاق روح شاب من حي لكناب بحجوط بسلاح أبيض على مستوى شاطئ بلحاسين ببلدية تيبازة والرمي به على الطريق الرابط بين تيبازة وحي البلج، ثم العثور على جثة شاب مقتول خلف مصنع الآجر ببلدية مناصر وبعدها حادثة مقتل شاب من بئر الخادم من طرف مجهولين على مستوى الشاطئ الصخري لحي بركان بلقاسم ببلدية عين تافورايت (أو بيرار سابقا) ثم قضية تعرّض شاب من البليدة لطعنات بخنجر على مستوى الرقبة بالمخرج الشرقي لمركب ''سات''، تلتها قضية القتل العمدي في حق سائق سيارة ''لوفان'' عثر عليه جثة هامدة بمنطقة بربيسة، ثم مقتل الشاب ''ب.الميلود 27 سنة بحي ''سوناطيبا'' ببلدية تيبازة على يد زوجته البالغة من العمر 20 سنة بسبب معارضته لفكرة الطلاق. الجريمة الثقيلة في تصاعد سنة 2012 من جهتها، شهدت سنة 2012 عدة جرائم مماثلة، منها الجريمة التي راح ضحيتها سائق سيارة أجرة غير المرخصة الذي عثر عليه جثة هامدة بحوش رنو بضواحي مدينة حجوط بعد طعنه بخنجر شهر مارس، تلتها في نفس الشهر قضية بائع الأواني المنزلية الذي أزهق روح المتقاعد بحي المعلمين بأحمر العين داخل منزله، تلتها حادثة مقتل شاب بطريقة هوليوودية أمام منزله بحي الكتيبة العمارية ببواسماعيل على يد مجهولين كانوا على متن سيارة ''توينغو'' بطعنة خنجر جزارين للقلب، واتبعت هذه الحادثة جريمة قتل مقاول في العقد الخامس على يد مجهولين بالقليعة وإزهاق روح شاب من بواسماعيل وسط مدينة القليعة على يد مجهولين، فجريمة قتل شاب آخر بآلة حادة بحي 9 شهداء ببواسماعيل، ثم إقدام ضابط متقاعد في الجيش على إزهاق روح طليقته غير بعيد عن محكمة شرشال ب18 طعنة خنجر، وحادثة حرق امرأة بمنزلها بفوكة، وكذا طعن شاب داخل مصلحة الحالة المدنية بنفس البلدية. الهشاشة الاجتماعية وتصفية الحسابات وراء الظاهرة يجزم المتتبعون للشأن الأمني بولاية تيبازة، أن السنوات الثلاث الأخيرة تميّزت بأكثر دموية عن سابقاتها نتيجة ارتفاع معدلات الاعتداءات بالسلاح الأبيض وجرائم القتل بمختلف مناطق الولاية. ولم يجد المواطنون تفسيرات مقنعة لارتفاع وتيرة الاعتداءات التي اتخذت في بعض الأحيان شكل عصابات منظمة دخلت في مواجهات دموية فيما بينها وحتى مع مصالح الأمن. وتكشف المعطيات الميدانية لظاهرة الإجرام بتيبازة، أن الأشخاص المتورطين في جرائم الاعتداءات، السرقة، الخطف، السطو، القتل ،التهديد بالسلاح الأبيض وتشكيل العصابات، ينتمون إلى أحياء قصديرية وأحياء عتيقة متداخلة فيما بينها، بحيث تقع منطقة العقيد عباس تحت سيطرة زعماء عصابات ينحدرون من مزارع حي الزيتون، مزرعة جارمان بزرالدة، مزرعة أحياء قصديرية في حي رسام وغيرها. كما أدى انعدام استراتيجية لتنمية وترقية المناطق البحرية إلى تحوّلها لمرتع للمنحرفين. وساهم افتقاد أحياء وطرقات هامة للإنارة العمومية في تنامي الاعتداءات، خاصة السرقات تحت طائلة التهديد، مع تعوّد المنحرفين على الربح السريع واكتساب مبالغ مالية معتبرة، يضاف إليها أن معظم الشواطئ محاطة بأحراش ومزارع ومسالك ثانوية تسهل تسلل المجرمين وهروبهم. وقد تمكّنت كتيبة الدرك الوطني بالقليعة من تفكيك 17 عصابة خلال الستة أشهر الماضية اتخذت غابات منطقة العقيد عباس وكرا لها. كما أن تضاريس المنقطة ومسافتها عن وسط المدن، ساهم في وقوع الجرائم خارج النسيج العمراني خاصة في ظل وجود شبكات الرذيلة التي تستعين بالفتيات القادمات من أغلب ولايات الوطن، 90 بالمائة منهن من غرب وشرق البلاد. ويلجأ المنحرفون العاصميون والبليديون إلى تصفية حساباتهم على تراب ولاية تيبازة، إذ أن 70 بالمائة من جرائم القتل العمدي التي سجلت خلال السنوات الأخيرة، تتعلق بتصفية حسابات بما في ذلك الجرائم الأخلاقية، حي سجلت ثماني جرائم الصيف الماضي، جميع المتورطين فيها من البليدة والعاصمة ما عدا جريمة واحدة في حجوط. كما أثّر قلة التعداد الأمني البشري لمصالح الدرك والشرطة سلبا. فنسبة التغطية الأمنية في حدود رجل أمن واحد لكل 900 مواطن وأحيانا تتعدى هذه النسبة خاصة بالبلديات الشرقية. الجهة الشرقية للولاية بؤرة تسجل دوائر من ضمن العشرة بالولاية، مصدر قلق لمصالح الأمن. وإذا تم استثناء فوراية التي تعرف بكونها مركز نشاط للجماعات الإرهابية وشرشال، التي تعرف أقل إجراما بباقي الدوائر وحجوط لوقوعها بالمنطقة الجنوبية الوسطى، فإن البلديات الشرقية للولاية تسجّل أعلى نسب للإجرام لضمّها كثافة سكانية عالية، في مقدمتها فوكة، بواسماعيل، القليعة، الدواودة، باعتبارها البوابة الشرقية للولاية وتربطها طرقات سريعة وحيوية مع ولايتي البليدة والجزائر وانفتاحها غرب الوطن وشرقه بفضل شبكة الطرقات السريعة التي أنجزت مؤخرا، مما جعلها عرضة لتدفق مروري معتبر جدا. والملفت أن 08 بالمائة من الاعتداءات بالأسلحة البيضاء وجرائم القتل، سجلت بالمناطق البحرية الصخرية والشواطئ الكبرى، في مقدمتها شاطئ العقيد عباس وسي الحواس ومنطقة سيدي جابر''لابايوت'' الكتيبة العمارية، ببواسماعيل وحي علي عماري غابة بنوة وفوكة البحرية، حي ''ساموريس'' بالقليعة وحي معمر بلعيد بحجوط. الباحث في علم الاجتماع لحبيب بوخليفة الانتقال من المجتمع الريفي إلى المدني كرّس الإجرام يرى الأستاذ والدكتور حبيب بوخليفة، الباحث في علم الاجتماع، أن أسباب انتشار الجريمة بالنسبة للمجتمع الجزائري مرتبطة أساسا بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والانتقال من المجتمع الريفي التقليدي الى المجتمع المدني، وهذا يعود إلى التوسع الفوضوي العمراني الذي بات خطرا يهدد الصياغة الحضرية للمدن حديثة النشأة دون مراعاة الأسلوب الثقافي والتربوي للسلوك الحضري. ويمكن رؤية أسباب سلوك المنحرف، أي المجرم، عندما يخص الأمر المناطق شبه الحضرية، مثل ولاية تيبازة التي بدأت تنتقل من الطابع الريفي إلى المدني وفي بعض متغيرات التنظيم المؤسساتي الاجتماعي الذي أصبح يفتقد إلى الفعالية والجدية في ظل الفساد على كل المستويات، ثم عملية الحراك الاجتماعي والصراع الثقافي والمنافسة والسياسة وكثافة السكان وتوزيع الثروة غير العادلة في المفهوم الجمعي وتفكك الروابط الاجتماعية وتعفّن النظام الاجتماعي السياسي نتيجة الاستفادة من الريع الذي ولّد أزمة ثقة في السلطة التي لا تحترم القانون. وقال البروفيسور أن غياب التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد الذي كانت تفرضه العادات والتقاليد، يجر إلى توتر الوظائف الاجتماعية والتوازن، ثم إلى التفكك الاجتماعي وفقدان المعايير الأساسية للتوافق الاجتماعي. المقاربة الأمنية لوحدها محدودة التأثير حسب مراجع أمنية، فإن الإجرام بولاية تيبازة كغيرها من الولايات التي تعرف الظاهرة، بات مصدرا للتهديد الاجتماعي يستوجب إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات الشاملة في إطار مفهوم جديد للأمن. وعليه لا يمكن اعتماد المقاربة الأمنية في معالجة تنامي الظاهرة، لأن تناميها يطرح إشكاليات أمنية وسياسية واجتماعية، بما يعني ضرورة إشراك باقي المؤسسات وحتى المواطن، بدليل أن التشكيلات الأمنية الموزعة ميدانيا وإن حدت من الظاهرة، فإنها لم تقضي عليها بصفة نهائية. وفي السياق، أشارت مصادرنا إلى أن الإجرام بتيبازة، يتفاقم في الفترة الأخيرة مقارنة بولايات أخرى هادئة، رغم أن الولاية كانت تشهد هدوء جعل منها مقصدا لعدة زيارات لوفود أجنبية. وقد بات الأمر يتطلب محاربة الهشاشة الاجتماعية التي تعتبر الأرضية الخصبة لبروز الإجرام وما يبرز ذلك من دور للمؤسسات الاجتماعية والإدارية يجب أن تؤديه، خاصة وأن المنطقة التي كانت ذات طابع ريفي تحولت إلى منطقة ريفية سياحية وصناعية بالموازاة مع كثرة العمران والشغل غير العقلاني وغير الدائم للأرض والتواجد الساحلي المبالغ فيه. وقد واكب الإجرام هذا التطور الاجتماعي بما يعيد طرح إشكالية المدن والعمران وإشكالية التوازن ما بين المناطق في مفهوم الأمن الشامل.