في عشرية ما قبل بوتفليقة، كانت الحملة الانتخابية للرئاسيات تتم بواسطة ملفات القتل.. وملفات الإرهاب والمقابر والدماء. وبدأت عشرية حكم بوتفليقة بابتكار ملف آخر في الحملات الرئاسية، هو ملف الفساد.. ورأينا سنة 1998 كيف خرج ملف الفساد الخاص بالرجال المحيطين بالرئيس زروال.. وهو الملف الذي أدى بالرئيس إلى اقتصار واختصار عهدته وتنظيم رئاسيات مسبقة.. وكان ملف محاربة الفساد، بشقيه الأمني والسياسي، بمثابة حجر الزاوية في برنامج الرئيس بوتفليقة.. لكن، اليوم، كيف عاد ملف الفساد من جديد إلى الواجهة في الصراع حول رئاسيات 2014؟! الواضح أن رغبة الرئيس بوتفليقة، الآن، لخلافة نفسه في عهدة رابعة، إذا تعذر عليه فرض من يريد فرضه لخلافته، هو الذي كان وراء الاضطرابات التي نشبت في أحزاب التحالف.. بدءا بحماس.. وانتهاء بالأرندي والأفالان.! وكان المأمول من هذه الاضطرابات السياسية داخل الأحزاب التي يحكم بها الرئيس، نظريا ووهميا، أن تنهي القلاقل والتصحيحيات إلى حسم مسألة الرئاسيات في .2014 لكن العملية أضعفت البلد وأضعفت الحكم، دون أن تضعف أي طرف من الأطراف المتصارعة نظريا على كرسي الرئاسة في .2014 لهذا، انتقل الصراع إلى مسألة الفساد الذي حصر أساسا في رجال الرئيس.! لكن الرئيس تنبه للأمر منذ سنوات، عندما حوّل ملف التحقيق في ملف الفساد بسوناطراك إلى مصالح (D.R.S). ولهذا، بات ملف الفساد لا يخص الرئيس ورجال الرئيس وحدهم.! وبالنتيجة، فإن هذا الملف لم يعد صالحا لحسم الصراع حول الرئاسيات.. بل أدى تسارع الأحداث حول هذا الملف إلى المساس بالنظام كله، وليس جناحا من الأجنحة المتصارعة. والمؤكد أن الصراع بالأحزاب أضعف الساحة السياسية.. وأن الصراع بملفات الفساد أضعف النظام وبهدله.. وبات النظام بجميع مكوّناته عاجزا عن إيجاد ملف، يمكن أن يكون صيغة مقبولة لدى الشعب في الرئاسيات القادمة.. حتى ملف الإرهاب والمصالحة تم تدويله مع أزمة مالي، ولم يعد صالحا لأن يكون برنامجا للرئاسيات القادمة. حتى تعديل الدستور والإصلاح لم يعد مقبولا لدى الرأي العام.. ولهذا، قال سلال، أو قيل له أن يقول، بأن تغيير الدستور سيكون ''طفيفا''! ولو قال سلال تعديل الدستور سيكون ''تطفيفا سياسيا وقانونيا'' على الشعب، لكان كلامه أدق.! والمهم أن البلاد، الآن، بلا أفق سياسي.. وبلا موضوع.. وبلا مرشح واضح للرئاسيات.. ولعل هذا التصحر هو المقصود في النهاية، والهدف هو القول للشعب: إن الانتخابات لا تجرى، لأن الأوضاع لا تسمح بذلك، ويصبح التمديد للرئيس أمرا مقبولا من الجميع.. هل هذا أمر معقول.. لا ندري؟!