عند وصولنا إلى مدينة ''فينيسيا''، أو ''فينيز''، أو ما يعرف باللغة العربية ''البندقية''، المدينة العائمة في إيطاليا، حدثنا أهلها، ممن يعرفون كل زاوية من زوايا عاصمة الحب، عن الأسطورة التي تقول إنه على الزائر لهذه المدينة، للمرة الأولى، أن يكون بصحبة زوجته، لا صاحبته ولا خطيبته. سألنا عن السبب فقيل لنا إن الزيارة لو كانت مع خطيبته أو صاحبته فالأكيد أنها لن تنتهي بعلاقة زواج، لأنها (المدينة) ستسحر زائرها لشدة ما فيها من إغراء وروعة وجمال.. لا يمكن لأي زائر لهذه المدينة ألا يركب ''الغندول''، وهو قارب مطلي باللون الأسود بطول 11 مترا، يؤكد أهل الاختصاص أنه يتألف من 280 نوع من مختلف أنواع الخشب، ويقوده بحّار يحمل قبعة خاصة، وأغلب ركاب الغندول من العشاق المفتونين بجمال هذه المدينة. ومن مميزات الأخيرة أنه ، وفي مساء كل يوم، يتجه أهل المدينة لشراء الأقنعة التي تحف بها آلاف المخازن، ويتخفون بها، وهي عادة من أيام الرومان، واحتفظت ''فينيز'' بهذه التقاليد إلى اليوم. وكان القناع في القديم يصنع من الفخار أو الجص إلى العام 1270 ، قبل أن تسنّ جمهورية فينيسيا في القرن السابع عشر قانونا لمنع سوء استعمال القناع، لأن البعض كان يضعه لعدم الإفصاح عن شخصيته أثناء توقيع عقود البيع والشراء أو.. خيانة الزوجة. بنيت مدينة ''فينيز'' على الماء، في وسط بحيرة آسنة، وتتشكّل من 116 جزيرة، وبها 417 جسر و7 آلاف شارع.. في كل زاوية من زوايا المدينة تستوقفك أفواج السياح، من كل جنسيات العالم، لكن الجنس الأصفر كان الغالب، وكأن أسوار المدينة تزينت بهذا اللون استعدادا لاحتضان كوريغرافيا عزف العشق الأبدي.. في المدينة الساحرة، التي تغدقك بقصصها وأساطيرها، كما تغدقك برائحة البحر وفواكه البحر من كل أنواع السمك الشهي، خاصة وأهل ''فينيز'' يتقنون طهيه، العديد من الأسرار.. فذاك بيت النحس الذي لحقته اللعنة. القصر الذي بناه داريو جيوفاني، وهو من عائلة ليست من العائلات النبيلة، على ضفة القناة الكبيرة، وكانت واجهته من المرمر ومن الرخام النفيس. ويقال، هنا، إن كل من سكن القصر انتهى به الأمر إلى الإفلاس المحتوم أو الانتحار، والأكيد أن نهايته ستكون تعيسة مأسوية، ومن هؤلاء تاجر أرمني مختص في الأحجار الكريمة الذي انتحر، وهو مصير الرجل الثري جدا في إيطاليا راؤول غارديني، الذي وضع حدا لحياته قبل 51 سنة، في أعقاب ما سمي، آنذاك، حملة الأيادي النظيفة في إيطاليا. شارع الشيطان وقصة القطط الشامية ''شارع الشيطان''.. هو سرّ آخر من آلاف أسرار المدينة العائمة، سمي كذلك لأنه يتفرع من جسر الشيطان، الذي كثيرا ما ''التهم'' الناس بالنظر لخطورة المرور عبره. ومن أسرار البندقية، التي يتحدث عنها الناس هنا، من سكانها ومن زوارها أيضا، أنها مليئة بالقطط.. يقول الناس هنا إن لكل بيت أو مقهى قط للحراسة، (وليس كلبا)، ويقولون، أيضا، إن بعض هذه القطط جيء به من سوريا وفلسطين لشراستها، والسبب أن الجرذان والفئران عاثت في المدينة فسادا، وكانت وراء انتشار داء الطاعون في القرون الوسطى، فاستعانوا بتلك القطط للقضاء على الجرذان، لذا مازال سكان البندقية يعتقدون أن القط يجلب لهم الحظ، فتراهم يعتنون به اعتناء لا مثيل له. كازانوفا.. أسطورة ''زير النساء'' في ساحة مركزية محاطة بحارات جميلة، توقفنا عندما كانت دليلنا السياحي تتحدث عن الأسطورة كازانوفا.. إذ لا يمكنك زيارة ''فينيز'' دون أن تتوقف عند قصص هذا الرجل اللعوب، الذي ''أسقط'' مئات النساء في شباك عشقه، إلى درجة مازال الناس يتجادلون إن كان كازانوفا أسطورة أم حقيقة. يقول أهل البندقية إنه حقيقة وليس وهما أو أسطورة. وولد كازانوفا بين أحضان المدينة العائمة منذ ثلاثة قرون تقريبا، عام 1725 ، وكان والداه يعملان في مجال الفن آنذاك، حصل على شهادة القانون وهو في سن السابعة عشر. وجاء في العديد من الكتابات التي استعنا بها أنه بدأ حياته متجولاً في مدن إيطاليا حتى تم حبسه، فهرب إلى عاصمة الجن والملائكة باريس ومنها إلى برلين ثم روسيا، حيث تم استقباله من قبل أعلى السلطات، وصولا إلى لقائه إمبراطورة روسيا كاترين الثانية في عام 1764 . وعاد كازانوفا لتجواله بين ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وتعلم اللاتينية واليونانية والفرنسية والعبرية والإسبانية والإنجليزية. ولعل مغامراته هي التي جعلته مادة للعديد من الفنانين، من أمثال غوتيه وفولتير وموزار، بل ومن أصدقاء له! وذاع صيته بأن ليس هناك امرأة استطاعت مقاومة جاذبيته المحاطة بالغموض والأسرار. مطاعم ومقاهٍ تصنع ديكور المدينة تشتهر المدينة العائمة المتجذرة في التاريخ القديم بتعدد مطاعمها منها ''هاريز بار''، الذي يقول ابن المدينة، وزير الخارجية الأسبق الإيطالي، جاني دي ميكيليس، إنه أفضل مطعم في ''فينيز'' منذ أيام الكاتب الأمريكي همنغواي، الذي كان يرتاده باستمرار لسمعته الدولية، ليقول إنه، بالطبع، أي طبق سيكون لذيذا، لكن على مرتاده ألا يفكر في الفاتورة لأنها ستكون باهظة. وكذلك ''أوستريا دا فيوري''، وهو مطعم مشهور لدى أبناء البلد والسياح، وترى صاحبه في القاعة الواسعة رفقة زوجته في المطبخ يتمنيان لك إقامة سعيدة. أما مطعم ''كورتي سكونتا'' فيقدم الأكلات التقليدية والأكلات البحرية، ويقابلك عماله وأصحابه بالترحيب والابتسام، حتى في لحظات الازدحام. ولا يمكن لمن يزور ''فينيز'' ألا يتناول القهوة الإيطالية إكسبرسو أو الكابتشينو، مع الحلويات الأصيلة التي تشبه ما يعرف عندنا ب''الكروكي''، سيما في المقاهي المقابلة لساحة ''سان ماركو''، التي يرتادها على الدوام الفنانون والسياح عشاق التاريخ وعشاق الجمال، وهو الشأن كذلك عندما تهم بدخول فندق ''دانيلي'' الشهير، الذي كان محطة توقف عشرات الروائيين العالميين. أساطير ''فينيز'' وحقيقة ''ويند'' كانت هذه بعض أسرار المدينة العاشقة، وكانت، أيضا، مقدمة للزيارة التي قام بها فوج إعلامي جزائري لإيطاليا، قبل أكثر من أسبوع، عندما زار محطات للعملاق الإيطالي في مجال الهاتف النقال ''ويند''، التي مقرها ميلان. وشركة ''ويند'' للاتصالات شركة رائدة في الهاتف النقال بإيطاليا، رفقة المتعامل التاريخي ''تيم''، و''فودافون''، لديها علامتان تجاريتان، هما ''ويند'' و''فايف إنفو ستار''، وتوظّف 7 آلاف مستخدم، بلغ عدد زبائنها 21 مليون مشترك في الهاتف النقال، و1 ,3 مليون مشترك في الهاتف الثابت، و3, 2 مليون مشترك في الأنترنت. بلغ رقم أعمالها 4 ,5 مليار دولار، التحقت بالمجمّع الروسي ''فيمبلكوم'' سنة 2011 . وكشف لنا مسؤولو الشركة، في عروضهم المختلفة، أن ''ويند'' شرعت في بناء شبكة للجيل الثالث في العام 2000 ، ما جعلها أحسن متعامل في أوروبا، بفضل الخبرة المتوفرة لديها وجودة خدماتها. ومعروف أن ''ويند'' هي إحدى شقيقات ''جازي'' داخل مجموعة ''فيمبلكوم'' العالمية، التي تعدّ 211 مليون مشترك في 18 دولة حول العالم. ويبلغ عدد مشتركي الهاتف النقال بإيطاليا 7, 51 مليون، و93 مليون بطاقة ''سيم''، وقاربت مداخيل الهاتف النقال 8, 17 مليار أورو، وتحوز ''ويند'' على قرابة 42 بالمائة من السوق الإيطالية. ويبلغ طول الألياف البصرية لشبكة ''ويند'' 21622 كلم، 5 آلاف كلم منها في المدن الكبرى، 13613 موقع محطة راديو (الجيل الثاني)، و11905 موقع محطة للجيل الثالث، أي قرابة 12 محطة الجيل الثاني والجيل الثالث. تقدّم الشركة الإيطالية سرعة تدفق أنترنت إلى حدود 42 ميغابايت، وتستند في خدماتها على مؤشرات الحركة، مثل 2 مليار دقيقة في الهاتف الثابت شهريا، و7 مليار دقيقة استهلاك شهريا، و52 مليون جيغابايت سرعة تدفق المعطيات، وسرعة ربط من 384 كيلوبايت إلى غاية 100 ميغابايت في الثانية. كما توفر ''ويند'' 6 مراكز معلوماتية لمعالجة المعطيات، زيادة على 18 مركز استماع. وبعرضهم لهذه الأرقام يكون مسؤولو ''جازي'' الجزائرية، شقيقة الشركة الإيطالية، وراء قرارهم إيفاد تقنيي ومهندسي الشركة إلى إيطاليا للاستفادة من خبرات نظرائهم الإيطاليين، استعدادا لإطلاق الجيل الثالث من الهاتف النقال، مثلما أكده الرئيس المدير العام ل''أوراسكوم تيليكوم الجزائر''، فينتشانزو نيشي، ونقلته ''الخبر'' في أعداد سابقة. وحتى وإن كان وجه الشبه بعيدا نوعا ما، إلا أن الشعار الذي أمكننا استنتاجه، عقب زيارتنا الموجهة لمخابر الشركة الإيطالية للهاتف النقال، هو عنوان الفيلم الأسطوري ''فاو ويذ ذو ويند''(wind the with Go)، الذي أُنتِج عام 1939 عن رواية مارغريت ميتشل الشهيرة، وفاز بِ8 جوائز أوسكار، واختاره معهد الفيلم الأمريكي ليكون الرابع في قائمة الأفلام الأمريكية المائة الأفضل في القرن العشرين، وحتى عام 2006 أصبح الفيلم ثاني أعلى الأفلام إيراداً في تاريخ السينما الأمريكية. فهل تتحدى ''جازي'' الرياح وتتموقع في عالم الجيل الثالث للهاتف النقال رغم الصعوبات؟ والأكيد من كل هذا أن الجيل الثالث للهاتف النقال وإطلاق الجيل الرابع ليس أسطورة أو خرافة في إيطاليا، بل واقع معاش.