مطالب الجزائريين المتزايدة يحتمل أن تتحول إلى قطيعة نبهت دراسة صادرة عن هيئة ضمان وتأمين التجارة الخارجية الفرنسية ''كوفاس'' إلى هشاشة بعض البلدان التي تعيش على وقع الإحباطات الاجتماعية والاحتجاجات المتزايدة وتنامي مشكل البطالة، واضعة الجزائر ضمن البلدان الأكثر عرضة لتأجيج أوضاع متوترة. كما توقعت الهيئة الفرنسية عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة. يشير الجزء الخاص بالخبير بيار باغانيلي في التقرير الشامل الصادر عن الهيئة الفرنسية المرتبطة بدوائر صنع القرار الفرنسية، إلى أن الجزائر تظهر وكأنها استثناء في المنطقة، وسط التغييرات المسجلة، بالنظر إلى رغبة شريحة كبيرة من السكان في الجنوح أكثر إلى الاستقرار والهدوء، عوض تجربة ثورية جديدة، رغم تصاعد عدم الرضا والسخط الشعبي. فضلا عن ذلك، فإن النظام السياسي يرتكز على موارد المحروقات لتحجيم الاحتجاجات والتي تتجلى في رفع الأجور ومضاعفة الدعم. وأبرز التقرير، في الجانب السياسي، الشكوك المرتبطة بالرهانات السياسية والانتخابية لرئاسيات 2014، خاصة بعد إبعاد قادة أهم حزبين في الائتلاف الرئاسي، الأفالان والأرندي. وتوقع التقرير عدم ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، دون تقديم مؤشرات واضحة على ذلك والقرائن التي تم الاستناد إليها لتقديم مثل هذا الإسقاط، موازاة مع الشكوك الأمنية المتصلة أساسا بحادثة مصنع الغاز بتيفنتورين والوضع في منطقة الساحل، حيث أكد التقرير أن ''الموعد الهام المقبل هو الانتخابات الرئاسية لأفريل 2014 التي يتوقع ألا يسعى الرئيس بوتفليقة للترشح لولاية أو عهدة رابعة''. وتعد هذه الإشارة الأولى التي تصدر من هيئة خارجية حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر، والتي تطرح احتمال عدم ترشح الرئيس أو على الأقل عدم رغبته في ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن ''كوفاس'' أو هيئة ضمان وتأمين التجارة الخارجية تأسست في 1946 كوكالة متخصصة في تأمين القروض الموجهة للتصدير، وتمت خوصصتها في 1994، وهي حاليا أحد فروع بنك ''ناتيكسيس''، لكنها تبقى قريبة من دوائر صنع القرار السياسي، خاصة الاقتصادي، حيث توجه أكبر المؤسسات في مجال عملياتها بالخارج، كونها متواجدة في 66 بلدا، وهي متواجدة منذ 2006 من خلال فرع لها في الجزائر. في نفس السياق، أوضحت الدراسة أنه ''كلما تصاعدت الإحباطات، على غرار تزايد نسب البطالة التي تتقاطع مع نسبة الشباب في المجتمع وتطور الشبكات الاجتماعية، كلما ساهم ذلك في تغذية وضعية متوترة''، مضيفة أن أعلى المخاطر المحتملة تخص اليوم دولا مثل الجزائر وفنزويلا والسعودية وإيران ومصر ونيجيريا وروسيا والصين، فالجزائر ضمن هذه الدول تواجه مطالب خاصة متزايدة من السكان واحتمالات أن تتحول هذه الطلبات إلى قطيعة واردة وإن كانت ضعيفة على المستوى السياسي''. وتوضح الدراسة أن عدم الاستقرار السياسي مصدر هشاشة وضعف، ولا تزال الهيئة ترتكز في تقييم المخاطرة الجزائرية على عدد من نقاط الضعف الهيكلية، أولها التبعية الكبيرة للمحروقات والمشاكل المتصلة بكيفية توظيف واستخدام الريع المتأتي منها، ووزن القطاع العمومي إلى جانب ثقل إجراءات الإدارة البيروقراطية وإشكالية محيط الأعمال بالنسبة للمؤسسات الخاصة والأجنبية، حيث ترى الهيئة الفرنسية أن هذا المحيط غير محفز لتوسع نشاط القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، خاصة إذا أضيف إليه عدم فعالية القطاع البنكي، وأضيف إليها خطوط القطيعة التي بدأت تبرز بين السلطة السياسية والسكان، والمستويات المرتفعة للبطالة، مقابل نقاط قوة تشمل فوائض مالية واحتياطيات صرف واحتياطيات بترولية وغازية، وقدرات مفترضة في مجالات الطاقات المتجددة والسياحة. وصنف التقرير الجزائر إلى جانب عدد من البلدان الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تواجه ضغوطا كبيرة أمام التغيير، منها تنامي التضخم والبطالة ومراقبة الفساد والرشوة، مقابل ضرورة تطوير أدوات مرتبطة بالتعليم والشبكات الاجتماعية ونسبة الشباب في المجتمع ودور المرأة. وتواجه دول مثل الجزائر إشكالية تحقيق نمو يضمن استقلالية أكبر، خاصة بالنسبة لبلد ريعي بامتياز، مقابل الحاجة إلى حماية نفسها من الخارج والمحيط، ما يدفعها لتبني سياسة حمائية.