تدهور أمني في تونس، عدم استقرار في ليبيا وفي مصر وفي السودان، وحرب أهلية دولية في سوريا، العراق على أبواب انفجار، حرب أهلية واسعة النطاق، والوضع ليس أحسن في اليمن. هذا الوضع ليس جديدا، إنه يتكرر منذ القرن الماضي. تمعّنوا معي هذا النص للعلامة البشير الإبراهيمي، رحمه الله، فقد قال عن حال العرب قبل أكثر من 60 عاما التالي: ''.. جاء هذا العيد.. والهوى في مراكش يأمر وينهى، والطغيان في الجزائر بلغ المنتهى، والكيد في تونس يسلّط الأخ على أخيه، وينام ملء عينيه، والأيدي العابثة في ليبيا تمزّق الأوصال، وتداوي الجروح بالقروح، وفرعون في مصر يحاول المحال، ويطاول في الآجال، ومشكلة فلسطين أَكِلَةٌ خبيثة في وجه الجزيرة العربية، تسري وتستشري؛ والأردن قنطرة عبور للويل والثبور، وسوريا ولبنان يتبادلان القطيعة، والحجاز مطمح وُرّاث متعاكسين، ونُهْزة شركاء متشاكسين، وقد أصبحت حماية (بيته) معلّقة بحماية زيته، واليَمن السعيدة شقيّة بأمرائها، مقتولة بسيوفها؛ والعراق أعيى داؤه الرّاق..''. ونلاحظ أنه ماعدا تغييرات طفيفة، فالحال مازالت هي الحال، وأن الاستراتيجية مازالت هي ذاتها. لكن لماذا الاستقرار في الخليج وفي الأنظمة الملكية وتلك القريبة من الغرب، والاضطراب في باقي البلدان، خاصة بلدان الانتفاضات الشعبية؟ هل نحن على أبواب انهيار واسع النطاق في المنطقة العربية؟ وهل يمكن القول إن ذلك نتيجة للانتفاضات الشعبية؟ وهل هي نتيجة لها من زاوية أن الانتفاضات مناورة غربية، أو نتيجة لها من زاوية أن الانتفاضات جعلت أطرافا ومصالح كثيرة داخلية وخارجية تريد دفع الأمور باتجاه الانهيار وحتى الحروب الأهلية؟ وفي هذا الزمن المخيف، تغيب الدولة وتقوى العصب والجماعات المسلحة وغير المسلحة، تهيمن على النقاش العام قضايا الأمن، عوض قضايا التنمية، وتهيمن قضايا السلطة، عوض الانشغال بقضايا الدولة وقضايا الناس. وفي زمن الضعف والغموض، تطلع علينا ''مبادرة'' سميت ''تبادل الأراضي''، تتحدث عن ''تعديل'' تصفه بالطفيف في ''المبادرة العربية للسلام''، وإسرائيل ترحب بل ويتحدث نتنياهو عن كون المشكلة ليست الخلاف على الأرض! وتبدأ إسرائيل مخططا للمساهمة في تدمير سوريا. مقابل هذا الوضع، ينبغي أن نتمعن بشكل عميق ما تعيشه أوروبا، وبشكل أخص جنوب أوروبا، من مشاكل مالية واقتصادية ومن ركود بل ومن نمو سلبي. فمشاكل أوروبا تعني كل العرب وتعني المغرب العربي بشكل أخص. والواقع أمام هذا الوضع، ينبغي الاستعداد لمواجهة تبعات ''مرض'' أوروبا والاقتصاد العالمي، بل ومواجهة السعي للاستعاضة بنهب ثروات الجنوب أو جذبها أو جلبها من أجل مواجهة طلبات شعوب الشمال. لهذا، على النخب في بلدان العرب أن تجد أجوبة لمجموعة علامات استفهام: ما الذي يخطط لهذه المنطقة؟ وهل يمكن تنظيم قدرة النخب على مواجهة الاستراتيجيات والمناورات، وعلى مواجهة الرغبات والتطلعات، وعلى مواجهة الاستحقاقات والوعود والانتظارات؟ أليس الأمر كله مرتبطا بمسألتين أساسيتين: الصراع على الحكم وتدافع المصالح الداخلية والخارجية؟ أعتقد نعم. لكن أليس العجز الأساسي هو غياب الدولة وخوف الحكام ''الجدد!'' في الكثير من هذه البلدان من مناورات منافسيهم ومن العجز عن الوفاء بالالتزامات والوعود والرعب من أي ''تحريك'' خارجي بسبب عدم الرضا أو بسبب تغيير في التكتيكات؟ ذلك وارد بقوة. في كل الأحوال، وعلى الرغم من أن الحرية ومزيدا من الحرية، هي الحل لأنها طريق النهضة الوحيد، فإن معطيات الوضع تدفع للاعتقاد بأن المنطقة تغرق في رمال متحركة من النزاعات والصراعات قد تبتلعها تدريجيا. إن هناك انطباعا قويا بأن وقود التفجير قد يكون تحريض الإسلاميين على ''أعدائهم''، وتحريض ''أعداء'' الإسلاميين، باسم الديمقراطية، على أعدائهم. وهنا يبدو التوافق أجدى من الصراع والسمو على المصالح السياسية وغير السياسية أنفع وأسلم وأضمن. ولكن، هل النخب مستقلة بما فيه الكفاية من أجل السّير في اتجاه المنطق والمصلحة العامة؟ وهل النخب تملك القدرة النفسية والذهنية والمعرفية على تفضيل التوافق على أي رغبة في تدمير الآخر لمجرد تدميره؟