لا يجد القيّمون في المساجد، في الوقت الراهن، من طريقة لإبلاغهم صوتهم سوى الشارع، وإن كانت خطوة تتطلب ''الاستحياء'' من طبيعة الوظيفة التي يمارسونها، لكن مادام القاموس الشعبي يوفّر لهم المثل القائل ''ما باليد حيلة''، فهي عبارة حملوها لداعي الاستئناس، لعلّهم يجدون آذانا صاغية تسمع صوتا ينادي حناجر تصرخ ''قيّمون بلا قيمة''. القيّمون على المساجد يطالبون بحقوقهم كاملة ''24 ألف دينار تكفي لأسبوع واحد فقط'' في آخر خطوة تحذيرية لوزارة الشؤون الدينية، راسلت لجنة الدفاع عن حقوق أعوان مساجد الجمهورية، قيد التأسيس، برسالة تشكو فيها وزير القطاع، غلام اللّه، لدى رئيس الجمهورية ووزيره الأول، بسبب سياسة ''الإجحاف والتمييز'' المطبّقة عليهم، ما جعلهم في موضع ''موظّفين بلا قيمة''. لم تكن اللّجنة قد درست خيار الاحتجاج ما لم تبلغ أوضاع القيّمين درجة ''اليأس''، حيث جاء في بيان للجنة الدفاع عن حقوق أعوان مساجد الجمهورية تشخيص لوضع تحوّل فيه أعوان المساجد برتبة ''قيّم'' إلى موظفين مصنفين في ''أسفل السافلين''، مقارنة مع نظرائهم في قطاع الداخلية والجماعات المحلية، ذلك أنّهم، حسب المصدر، مازالت تمارَس في حقهم كل أشكال الإجحاف والتمييز بين مختلف الموظفين، وخاصة الرتب التي توازيهم. ويتوازى هذا الكلام مع تصريح صحفي سابق للأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبد المجيد سيدي السعيد، اعتبر فيه أن تأسيس أول نقابة للائمة تحت لواء المركزية النقابية ''حدث تاريخي ونقابي وإنساني'' الأول من نوعه في تاريخ الاتحاد، مشيرا إلى أن ميلاد هذه الهيئة جاء نتيجة محادثات استمرت قرابة عام ونصف، لوضع التصورات اللاّزمة للتكفل بالأئمة، فهل سيثمر هذا الميلاد لوضع مريح للقيّمين بالخصوص؟ هو سؤال طرحه قيّم على ''الخبر'' وهو يقرأ المقال في الجريدة بتاريخ 18 مارس الماضي، حيث يعبّر عن عدم ثقته في وعود سيدي السعيد ولكن يريدها ''أفعالا لا أقوالا''، تنتهي بالضغط على الوزارة للاستجابة لمطالبهم، حيث يطالهم تهميش كبير، فقول الأمين العام للمركزية النقابية، حسب المتحدّث، أنّ ميلاد نقابة للائمة شرف له، لن يكون ''شرفا مكتملا''، ما لم يمنح للقيّمين شرف العيش بكرامة. وبالعودة إلى البيان، فإنّ أعوان النظافة، المصنّفين الأقل من تصنيف القيّمين، يتقاضون أجورا أكبر من أجور هؤلاء، حيث لا يتعدى راتب القيّم حدود 24 ألف دينار شهريا، وهو يكفي لأسبوع واحد فقط، حسبهم، وهو الأمر الذي دفعهم إلى تحرير شكوى موجهة نسخة منها إلى رئيس الجمهورية والوزير الأول، عبد المالك سلال، والأمين العام للمركزية النقابية وأعضاء البرلمان بغرفتيه، يندّدون بممارسة سياسة الإجحاف ضدّهم. وحدّدت اللّجنة 6 مطالب أساسية ترى فيها مفتاح تخليصهم من وضعهم المأساوي، أبرزها إعادة النظر في النظام التعويضي، من خلال استحداث منح وعلاوات تتوافق والمهام الموكلة لسلك القيّمين، وهي منح العدوى والخطر والنقل والإطعام، على غرار ما يستفيد منه أعوان النظافة التابعين للجماعات المحلية، فضلا عن منحهم ''الحق'' في التغطية الصحية، في إطار قوانين طب العمل سارية المفعول. واستنكر القيّمون عدم استفادتهم ك''أعوان المساجد''، حسب المصدر، من سكنات ومحلات وقطع أرضية تابعة للأملاك الوقفية، مثل سائر موظفي وإطارات القطاع، وكذا فتح مجال الاستفادة من حصص تأشيرات الحج والعمرة وأموال الزكاة. كما طالبوا برفع الإقصاء عن أعوان المساجد وذويهم من مشاريع الاستثمار المتعلقة بالزكاة والأملاك الوقفية، وقيام مسؤولي قطاع الشؤون الدينية بتشخيص وطني شامل لأملاك الوقف، وإعداد بطاقية وطنية للمستفيدين من داخل وخارج القطاع. شاهد من أهلها رئيس تنسيقية الأئمة وموظفي الشؤون الدينية جلول حجيمي ''سندافع عن القيّمين لأنّهم يحمون قداسة بيوت اللّه'' القيّمون يشتكون من الإجحاف، هل ستدافعون عنهم؟ سندافع عن كل الموظفين، من القيّمين إلى أعلى رتبة وهم الوكلاء والمفتشون. وأوضح أن أعوان المساجد أو القيّمين هم الأكثر ضررا في قطاع الشؤون الدينية، نظرا لحجم العمل الذي يقومون به، فهم المعنيون الأوائل بأحقيتهم في قوانين خاصة تحفظ كرامتهم، وتوفر لهم الحماية لتقيهم من الأمراض وتمنح العناية التامة والراحة اللاّزمة. ويجب التذكير بنقطة هامة، وهي أن كل مطلب من مطالب القيّمين يمس، بطريقة مباشرة، مطالب كل موظفي وفئات قطاع الشؤون الدينية، نظرا للعلاقة الترابطية التي تجمع فئة القيّمين بالإمام والمؤذن في المسجد. هل من تصوّر واضح لإخراجهم من دائرة التهميش؟ نظرا للمهمة التي يقوم بها القيّم داخل المسجد، فهو بالنسبة للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية ''أولوية مطلّقة''. والمساجد اليوم تعاني من نقص فادح في التأطير، لاسيما ونحن نحمل مشروع تحويل المسجد إلى مؤسسة قائمة بذاتها. وبما أنّ ''مشروع مؤسسة'' يعني في جوهره تركيبة أجزاء لا تتجزأ عن بعضها البعض، فالقيّم في قطاع الشؤون الدينية ينبغي تكوينه تكوينا لائقا، لذلك وضعنا أرضية مطالب في شكل تصوّرات لتحديد الحد الأدنى لراتب القيم ومنحه وضبط أوقات راحته، وتجهيزهم بمعدات النظافة حفاظا على صحتهم، وللتخلص من الطريقة التقليدية في التنظيف باستعمال الأيادي؟ يعني هذا الكلام أنّ هناك لقاء مرتقبا مع الوزارة.. نعم. لكن يجب أن نجهّز أنفسنا، وذلك بالارتكاز على أرضية مطالب صلبة لإقناع مسؤولي الوزارة بها. ولنا مطالب مستعجلة تخص القيّمين، كغيرهم من باقي موظفي قطاع الشؤون الدينية، وأبرزها مراجعة القانون الأساسي، من خلال تحديد الرواتب ورتبهم وجميع حقوقهم. ويقابل هذه الأرضية طرق التعامل مع الوزارة في حال رفضت مطالبهم، حيث سيكون الاحتجاج اللغة الوحيدة مع وزارة غلام الله. ونملك طرقا عديدة لتبليغ صوتنا بضرورة التكفل بنا من جوانب الاجتماعية والمهنية. بورتريه القيّم طاهر عفون يروي 20 سنة من الخدمة ''يحتقرني الناس لأنّني أنظّف بيت اللّه!'' يستغرب القيّم طاهر عفون من ولاية سوق أهراس تصرفات بعض الأشخاص الذّين ينظرون للقيّمين ''نظرة احتقار''، لأنّ مهنتهم ليست إماما أو خطيبا، وإنّما ''قيّم'' يشرف على صيانة وتنظيف المساجد. يروي محدثنا، القيّم طاهر عفون، ظروف التحاقه بعمله كعون مسجد، عقب إنهائه فترة الخدمة الوطنية أواخر سنة 1991، حيث وصلته معلومات عن إطلاق عملية توظيف في مسقط رأسه بسوق أهراس عبر المساجد، لكن لم تحدّد الرتب، مشيرا إلى أنّه لم يكن يهمه ذلك، فأودع طلبا، وبعدها بأيام استدعي، رفقة آخرين، لإجراء المسابقة، فلم ينجح منهم سوى 63 شخصا، وكان أحدهم. وقال عفون إن أول مسجد أشرف عليه كان يبعد عن مقر منزله ب14 كيلومترا، وفي ظل ندرة وسائل النقل، لم يكن أمامه سوى المشي على الأقدام، رغم أن تلك الفترة (سنة 1993 ) كانت ساخنة، ولا يعلم إن كان سيصل إلى المسجد ليصلي أو يصلى عليه. وفي تلك الظروف الصعبة، لم يكن لطاهر عفون سوى شبابه ونشاطه، حيث لم يتلق، منذ تم تنصيبه على رأس المسجد، راتبه المقدّر ب3 آلاف دينار لمدّة 13 شهرا، مضيفا أنّه قضاه يستدين من شخص لآخر، المهم بالنسبة لديه أنه مسرور بعمله ومقتنع به. وقد زالت نوعا ما متاعب القيّم طاهر عفون إثر قبول الإدارة في ولاية سوق أهراس، طلب تحويله إلى مسجد يبعد عن منزله ب5 كيلومترات، لكن التهديدات الإرهابية ما تزال تقبض على أنفاسه، وكان صوت الرصاص في كل مكان. وفي هذه النقطة، روى محدثنا حادثة ل''الخبر'' في تلك الفترة، فبينما هو يلقي خطبة الجمعة، إذ به يسمع صوت الرصاص بقوّة، وقال: ''حينها أحسست أن أجلي قد حان، وبأن جماعة إرهابية تريد اغتيالنا، لكن سرعان ما علمنا أنّ صوت الرصاص كان سببه فوز اليامين زروال بمنصب رئيس الجمهورية''. يبلغ طاهر عفون من العمر 45 سنة، وهو من مواليد 17 جوان 1968 ، يقول إنّه قضى 20 سنة خدمة في وظيفة ''قيّم''، وما تزال الظروف الاجتماعية والمهنية لم تتغيّر، رغم مرور السنوات وتغير المسؤولين، فالراتب محدود في 26 ألف دينار بأجر قاعدي ب13 ألف دينار. كما يحرم القيم من حقه في الترقية رغم الأعمال التي يقوم بها في مجال النظافة، وغالبا الآذان والخطبة وصلاة التراويح، وكذا محروم من جميع الامتيازات، والإدارة لا تأخذ في حسبانها وجود قيّمين لهم مستويات جامعية حائزين على شهادات ليسانس.