قال الحقّ سبحانه: “استِكبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِ فَهَل يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّة الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللهِ تَبدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللهِ تَحوِيلًا” فاطر:43، لا يخفى أنّ قوله تعالى: “.. وَلَا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِ..” جاء في سياقٍ يُبيِّن أنّه قانون مطرد وقاعدة محكمة لتذييله بقوله: “... فَهَل يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّة الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلًا” وإنّه لقانون عظيم يغفل عنه كثير من المفسدين الماكرين. ومعنى “يَحِيقُ” يحيط وينزل، تقول: حاق بفلان الشّيء، إذا أحاط ونزل به. أي: ولا ينزل ولا يحيط شرّ المكر السيئ إلاّ بأهله الماكرين. وهذا تؤكّده آيات عدّة: “... وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُون”، “سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُون”، “وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ”، وقال محمد بن كعب القُرَظِي: ثلاث مَن فعلهن لم ينجُ حتّى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث، وتصديقها في كتاب الله: “وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ”، “إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم”، “فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ”. وفي الأمثال: مَن حفر مِغواةً وقع فيها، ومَن حفر لأخيه جبًا وقع فيه منكبًا، ومَن حفر بئرًا لأخيه وقع فيه. وهذا أمرٌ نعيشه واقعًا وإن كنّا نغفل عنه غالبًا، فالماكر المخادع خاسر في الدنيا هالك في الآخرة، فإن لم يؤخذ بمكره في الدنيا فلا مهرب له من عذاب الآخرة، يقول الإمام الآلوسيّ: “والآية عامة [أي حكمها عام] والأمور بعواقبها، والله تعالى يُمْهِل ولا يُهْمِل، ووراء الدّنيا الآخرة، وسيعلم الّذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، وبالجملة: من مكر به غيره، ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك”. إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر