يحيي الجزائريون، على غرار مسلمي المعمورة اليوم، ليلة السابع والعشرين من رمضان بالصلاة وتلاوة القرآن، كما يتغيّر ديكور مائدة الإفطار في ليلة هي خير من ألف شهر. في قسنطينة تعكف ربات البيوت على التحضير لليلة السابع والعشرين من رمضان أو كما تسمى “النفقة” بتحضير أنواع مختلفة من العجائن مثل “تريدة الطاجين” أو كما يسميها البعض “الشواط” ويحضّر مرقها ب"جاج عرب” كما تصطلح عليه العجائز. و"تريدة الطاجين” أكلة عربية أصيلة وهي عبارة عن عجين طري جدا يطهى على “طاجين النحاس” مع الحرص على إضافة الزيت في كل مرة، ثم تنزع حوافه الخشنة ويفتت إلى قطع كبيرة نسبيا، يوضع على البخار مدة من الزمن ويضاف له المرق والدجاج على غرار أغلب أطباق العجائن التقليدية، كما تفضل بعض العائلات أكلة “الشخشوخة” أو”تريدة الكسكاس” أو”الرشتة” أو”الكسكسي”، كل حسب مقدرته ورغبته. وفي تلمسان تتولى النسوة تحضير طبق “الكسكسي”، حيث أكدت لنا الحاجة عقباني أنهم يتناولوه رفقة الجيران، مع تقديم جزء منه للمصلين في المساجد الذين يقومون هذه الليلة إلى غاية الصبح، كما تحضر الحلويات التقليدية مثل الكعك والصامصة والڤريوش، وأضافت قائلة أنه يتم فيها كذلك تكريم الأبناء الذين حفظوا القرآن الكريم لتشجيعهم على قراءة القرآن وحفظه، في حين تقوم عائلات أخرى على ختان أطفالها في هذه الليلة المباركة، مع تحفيزهم على الصوم، وبعد الإفطار يقام حفل للصائم الصغير، ثم توضع له الحنة، كما يبقى للمساجد دورها في هذه الليلة، من خلال القيام والتهجّد وقراءة القرآن إلى غاية الصباح. أما في مدينة البليدة، فلا تزال العائلات البليديّة العريقة تتمسّك بتقاليد إحياء هذه الليلة المباركة محتفظة بطقوس وعادات الأجداد، حيث تتعالى خلالها الزغاريد احتفاء بختان الأطفال، كما تحرص الأم أن يكون ابنها في أبهى حلّة خلال “تصديرته” حيث يتوسّط الحضور بعباءة مطروزة بغرزة الحساب مع البرنوس، ثمّ الكراكو بالطربوش التركي، وهو الاحتفال الذي يقترن بمراسيم ربط الحناء مع “التقدام”. ويأتي ذلك بعد فطور شمل أشهى الأطباق الشعبية، كشربة المقطفة والمثوّم وشطيطحة دجاج، بالإضافة إلى اللحم الحلو والشاربات، كما تحضّر بعض العائلات طبق الرشتة التقليدي. وعنه يقول عمي يوسف أوراغي حافظ ذاكرة البليدة، أنّ العائلات كانت تقوم في الماضي بذبح طائر وطهيه مع طبق الرشتة تبرّكا بليلة السابع والعشرين، في حين تتخلّل السهرة قعدة نسوية تميزها صينية الشاي مرفوقة بأشهى الحلويات التقليدية، كالقطايف وقلب اللوز والصامصة، إلى جانب البقلاوة والمحنشة والمقروط، وبطبق التحلية “المحلبي” يستمرّ السّهر إلى غاية الافتراق على مائدة السحور يكون ملِكها الكسكسي المفتول بأنامل النسوة ومرافقه “المقرون الأعمى” الذي تشتهر البليديّات في صنعه والذي تعود جذوره إلى العهد العثماني. ولا تفوّت بعض العائلات الليلة دون أن تخضب أيادي أبنائها بالحناء والعجائز أيضا كبركة البيت، فيما يتناسى تدريجيا البليديّون طقوس وضع قطرات من القطران في أسفل القدمين وعلى عتبات المنازل ظنا منهم أنها ستمنع دخول الجن بعدما وصلت بهم درجة الوعي أنها مجرد خرافات يتم استبدالها بقيام الليل وذكر الله وقراءة آيات بيّنات في هذه الليلة المباركة.