{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} هذا القانون القرآني العظيم، صار بحقّ دستور كلّ إصلاح، وشعار كلّ مصلح، {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الرعد:11.فالله سبحانه يتعقّب عباده بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتّب عليه الله تصرّفه بهم، فإنّه لا يغيّر نعمة أو بُؤسى، ولا يغيّر عزًّا أو ذِلّة، ولا يغيّر مكانة أو مهانة، إلاّ أن يغيّر النّاس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغيّر الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم. وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون. ولكن ما يقع عليهم يترتّب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقًا له في الزّمان بالقياس إليهم. وإنّها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنّته، أن تترتّب مشيئة الله بالبشر على تصرّف هؤلاء البشر؛ وأن تنفّذ فيهم سنّته بناء على تعرّضهم لهذه السنّة بسلوكهم. والنّص صريح في هذا لا يحتمل التّأويل. وهو يحمل كذلك إلى جانب التبعة دليل التّكريم لهذا المخلوق الّذي اقتضت مشيئة الله، أن يكون هو بعمله أداة التّنفيذ لمشيئة الله فيه. يقول الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله: (ولا يمكنه [أيّ المسلم وكذا النّاس جميعًا] أن يغيّر شيئًا في الخارج إن لم يغيّر شيئًا في نفسه. وحينما نقول هذه الكلمة نقولها باعتبارها علمًا، ولا نقولها فقط تبرّكًا بآية، نقولها [علمًا] ونعلم مقدارها من الصحّة العلمية، لا يستطيع مسلم أو غير مسلم أن يغيّر ما حوّله إن لم يغيّر أوّلاً ما بنفسه، فهذه حقيقة علمية يجب أن نتصوّرها قانونًا إنسانيًا وضعه الله عزّ وجلّ في القرآن، سنّة من سنن الله الّتي تسير عليها حياة البشر. إذن لكي يتحقّق التّغيير في محيطنا يجب أن يتحقّق أوّلاً في أنفسنا). {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال:53. أستاذ في المدرسة العليا للأساتذة*