في مقابل أهل الشّكر والحمد، أهل الجحود والكفران، ما زادهم المال إلاّ طغيانًا وفسادًا، استدرجتهم نعم الله إلى الهلاك والضياع، نسوا الله فأنساهم أنفُسهم، والقرآن الكريم يعرض لنا حكاية قوم من أمثال هؤلاء جعلهم عبرة لمَن أراد أن يعتبر: {لقد كان لسبإ في مَساكِنهم آيةٌ جَنَّتَان عن يمين وشمال كُلوا من رِزق ربِّكم واشكُروا له بَلدَةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ} سبأ:15. فبينما هم في جنّات فيحاء، وبساتين خضراء، ومال وبنون، حتّى ابتلاهم الله: {فأعْرَضوا فأرسلنَا عليهِم سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بجنتيهم جَنَّتين ذَوَاتَي أُكْلٍ خَمْطٍ وأثْلٍ وشيءٍ من سِدرٍ قليل * ذلك جَزَيْنَاهم بما كفروا وهل يُجازَى إلاّ الكَفُور} سبأ:16-17. وكما أنّ العطاء ابتلاء فإنّ المنع أيضًا ابتلاء، وسُنّة الله اقتضت أنّ النّاس درجات، ولأنّ لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بشيء منَ الخَوْف والجوع ونَقْصٍ منَ الأموالِ والأنفُس والثّمرات وبَشِّرِ الصّابرين} البقرة:155. ومن رحمته سبحانه أن جعل العطاء نظير الصّبر على المنع والحرمان، فهو في كلّ الأحوال مأجور، قال صلّى الله عليه وسلم: ”إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له” أخرجه مسلم.