منذ أسابيع تناولت وسائل الإعلام بشكل مكثف مسألة ”نكاح الجهاد”، الذي يُقال إنه يطبق في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة في سوريا، إذ يبدو أن مئات النساء المسلمات، أغلبهن تونسيات، يذهبن إلى سوريا ليهبن أنفسهن للجهاديين كعلامة تقوى منهن. القصة مغرية بلا شك لكن الظاهر أنها أكذوبة. ذُكر ”نكاح الجهاد” لأول مرة في شهر سبتمبر 2012، في نص على موقع التواصل الاجتماعي ”تويتر” نُسب إلى الداعية السعودي الشيخ محمد العريفي. وهذا الشيخ السلفي شخصية محترمة في الأوساط الجهادية ومعروف بخطبه. رسالة كهذه صادرة عن شخصية مثل العريفي كانت من الممكن أن تصبح بمثابة فتوى دينية لو كانت صحيحة. لكن نلاحظ فيها من الوهلة الأولى شذوذا: نص هذه التغريدة يشمل 200 حرف.. وهو ما يفوق بكثير ال140 حرف المسموح بها في حساب التويتر. ورغم هذا التضارب الواضح، تم منذ سنة 2012 تضخيم المسألة وتداولها على عدة قنوات تلفزيونية عربية وإيرانية. لكن الشيخ العريفي عجّل حينذاك بنفي أن يكون هو مصدر هذه الرسالة، مؤكدا أن ”مثل هذه الفتوى لم تنشر أبدا على حسابه الرسمي في الفايسبوك أو تويتر”. ورغم هذه التكذيبات واصلت مسألة ”نكاح الجهاد” مسيرتها في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية، دون أن تنسب الفتوى هذه المرة للشيخ السلفي، بل وصفت بأنها من ”مصدر مجهول”. ومنذ شهر جانفي الماضي تمسّكت قنوات قريبة من النظام السوري بهذه القصة، ولم تتردد هذه القنوات باستعمال صور لمجاهدات شيشانيات تم تصويرهن في الشيشان، لتقدّمهن على أساس أنهن تونسيات ذهبن لمكافأة الجهاديين السوريين بمنحهم أجسادهن. وقد تسبب هذا التزوير في إحراج عدد من الصحافيين، إذ تؤكد الصحفية مليكة جباري على سبيل المثال أنها استقالت من عملها في القناة التلفزيونية اللبنانية ”الميادين” لأنها أجبرت على ”فبركة قصة جهاد النكاح من لا شيء”. وبعد هدنة دامت بضع شهور، برز ”نكاح الجهاد” من جديد في شهر سبتمبر الماضي، فتم بث فيديوهات ل«شهادات” ونشر ”جداول أعمال” لنساء يتعاطين هذا النشاط، في مختلف وسائل الإعلام السورية واللبنانية. لكن التصريح الذي أدلى به يوم 20 سبتمبر وزير الداخلية التونسي، لطفي بن جدو، أمام المجلس الوطني التأسيسي ببلاده، هو الذي قذف ب«نكاح الجهاد” مجددا إلى مقدمة المشهد الإعلامي. والملاحظ أن الوزير التونسي يمر بخلاف مع ”النهضة”، الحزب الإسلامي الحاكم، كما أنه لم يقدّم أي حجة تدعم تصريحاته. كما لا توجد أية شهادة جدية حول مثل هذه الأعمال. آخر تقرير حول هذا الموضوع تم بثه على القناة السورية ”الإخبارية”، يوم 22 سبتمبر الماضي، تؤكد فيه فتاة سورية في السادسة عشر من عمرها أنها تعرضت إلى اعتداء جنسي من قِبل والدها قبل أن يتم تسليمها إلى الجهاديين. وتصف هذه المراهقة بأدق التفاصيل ما تعرّضت له. لكن هذه القناة التلفزيونية مساندة للنظام السوري، وتعمل يوميا على تشويه صورة المعارضة المسلحة.