ظلّ المغرب لسنوات طويلة يحمّل الجزائر مسؤولية عدم الوصول إلى تسوية للقضية الصحراوية من خلال تصريحات المسؤولين المغاربة في خطاباتهم الرسمية، أو في المحافل الدولية، إن على مستوى منظمة الأممالمتحدة، أو على مستوى المنظمات الدولية الإقليمية، على الرغم من أن الموقف الجزائري هو الموقف الوحيد الذي عرف ثباتا منذ انسحاب الاستعمار الاسباني من الأراضي الصحراوية سنة 1975. تؤكد الجزائر في كل مناسبة أنها ليست طرفا في النزاع، وتطالب بإيجاد حلّ للقضية الصحراوية في إطار الأممالمتحدة وفقا لمخطط التسوية الذي صادقت عليها الدول الأعضاء في هذه المنظمة بما في ذلك المغرب، كما أكدت تمسّكها باتفاق هيوستن الموقّع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي الرامي إلى الوصول إلى تسوية نهائية إلى هذه القضية في إطار المخطط الأممي، مع مراعاة تصنيف هذا الملف ضمن قضايا تصفية الاستعمار، بدليل أن القضية الصحراوية طرحت على طاولة الأممالمتحدة تحت بند تصفية الاستعمار منذ سنة 1965، أي قبل الانسحاب الإسباني سنة 1975، في حين عرفت مواقف الدول الأخرى تغيرا جذريا على غرار موريتانيا التي قامت عقب انسحاب الاستعمار الإسباني باحتلال الجزء الجنوبي للأراضي الصحراوية المتمثل في إقليم ”الداخلة”، وادّعت أنه جزء من دولة موريتانيا، على أساس اشتراك الشعب الصحراوي مع الموريتاني في العادات والتقاليد والأعراف، ثم ما لبثت أن تخلّت عن هذا الموقف وانسحبت من الأراضي الصحراوية، التي كانت تحتلها سنة 1979، وفي السياق نفسه تباينت مواقف المغرب خلال السنوات الماضية، فبعدما قبل بمبدأ استفتاء الشعب الصحراوي في تقرير مصيره راح يتلاعب بالهيئة الناخبة المعنية به، ليعلن في وقت لاحق تراجعه عن اللجوء إلى تقرير المصير عبر الاستفتاء لأسباب واهية. إن ما يؤكد ضعف الموقف المغربي اتجاه الصحراء الغربية، والذي يقوم على اعتبار هذه الأراضي جزءا من المملكة المغربية، هو الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بخصوص هذا الملف في 16 أكتوبر من عام 1975، بناء على الطلب المقدّم من المغرب إلى الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة والحكومة الإسبانية في 23 سبتمبر 1974 المتضمن إحالة الملف إلى محكمة العدل الدولية لتبدي رأيا استشاريا حول القضية الصحراوية. بعد موافقة الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة على الطلب المغربي، قامت بإحالته على محكمة العدل الدولية للنظر فيه، لإبداء رأي استشاري حول الموضوع، حيث إن هذه الأخيرة عقدت 27 جلسة علنية فحصت خلالها الملف فحصا دقيقا، لاسيما التحقق في الوثائق المقدّمة من الطرف المغربي على أساس أنها أدلة تؤكد سيادته على الأراضي الصحراوية، بما في ذك الخرائط والعقود والاتفاقيات، وغيرها من المستندات، وعقب ذلك أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في تاريخ 16 أكتوبر من عام 1975، والذي جاء في 60 صفحة، حددت فيها ثلاثة مواقف، أهمها أن الأراضي الصحراوية لم تكن أرضا من دون شعب قبل الاستعمار الاسباني، وأنه لا وجود لروابط سيادية للمملكة المغربية على الأراضي الصحراوية، وبذلك أنصفت محكمة العدل الدولية الشعب الصحراوي وبيّنت من خلال رأيها بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب الصحراوي هو صاحب الأرض وصحاب السيادة على أراضيه، وبذلك تمر ثمانية وثلاثون سنة خلال هذا الشهر من صدور هذا الرأي الذي أنصف الشعب الصحراوي عندما أكد أنه لا وجود لأية روابط سيادية للمغرب على الأراضي الصحراوية، وهو ما يعد بمثابة إعلان استقلال للشعب الصحراوي، صدر له من أكبر هيئة قضائية دولية منذ حولي أربعة عقود كاملة، وعليه وجب على المغرب إعادة قراءته لقضية الصحراء الغربية جيدا، والكف عن التصريحات غير المسؤولة اتجاه الجزائر، والتي تجسّد سياسة الهروب إلى الأمام، بدل معالجة القضية ضمن الأطر القانونية الدولية التي وقع عليها تحت إشراف منظمة الأممالمتحدة. [email protected]