أباطرة بعمر 90 دقيقة أن تكون حكما لكرة القدم في زماننا هذا، عليك أن تتعلم الحياة بعمر لا يتجاوز 90 دقيقة، وأن تعيش أسرع في وقت ضائع لا يتعدى بضع دقائق، وأن تستعد لتحمّل مسؤولية رئيس دولة، عندما يختزل عمر تلك الدولة بفعل هشاشتها، في عمر مباراة مصيرية لها، لا بحكم أهميتها الكروية، بقدر ما هي جوهرية بسبب ما آلت إليه رياضة في حجم جماهيرية كرة القدم من قدرة على تعبئة شعوب لإفراغ شحناتها التعبيرية الاجتماعية أو السياسية أو حتى التمايزية، سلبا أو إيجابا، في الملاعب، وأصبح معها حكم كرة القدم أحيانا المشجب الذي تعلّق عليه هزائم هؤلاء وأولئك، والاحتكام لا لعدالة اللعبة وحدها فوق الميادين وإنما أحيانا لأصعب "التوافقيات" وأهون الشرور التي تحاك في الكواليس أو المخفاة في التفاصيل. يحفل تاريخ كرة القدم، بما سجله من تطور في شدّ حركة الكرة فوق الميادين بالكثير من الإثارة. ولأنه مع تحرك الكرة تتحرك نبضات قلوب الآلاف فوق المدرجات، شُرّعت القوانين، ووضعت الضوابط، وأسندت المهمة إلى قضاة، ليسوا كالقضاة، أحكامهم تبدو سيدة، مطلقة في الظاهر، لكنها سرعان ما تصبح ”مشتلة” للجدل، ويكفي أنها تحولت إلى أحد عوامل حرب بين دولتين بأمريكا اللاتينية اندلعت بين الهندوراس والسلفادور في 14 جويلية عام 1969، برسم مقابلة الفصل بين فريقي الدولتين للتأهل لمونديال مكسيكو عام 1970. وليست مقابلة الجزائر-مصر، وبطلها الحكم ”كوفي كوجيا”، ببعيدة عن الصور المرعبة التي يصنعها الحكام بقراراتهم التي تصدر تحت الضغط أو المحسوبية إلى كوابيس ومقابر للعلاقات بين الشعوب، بدل عكسها الذي جاءت من أجله فلسفة اللعبة الأكثر شعبية في العالم. وليست حتى أبسط مقابلة في أدنى أقسام كرة القدم بمنأى، أيضا، عن تعريض الحكم للمغامرة بذمّة ما يسمى ”الروح الرياضية”، أو تعنيفه جسديا أو معنويا أو ارتشاء، بغية إرضاء هذه الجهة أو تلك أو للإفلات من غضب جماهير أصبحت الملاعب ملاذها، أو منبرا للتحرر من كبتها أو لتمرير أكثر من ذلك. وفي الساحة الكروية الجزائرية، تعاظمت مسؤولية حكام كرة القدم، مع تراجع القيم الرياضية التي كانت تحكم ميادين ومدرجات اللعبة، وأصبح التفاعل معها شاقا ومعقدا، خاصة في ظل بقاء ممارسة التحكيم في دائرة ”الهواية والمهمة المحدودة”، بدل الخوض في حلم احترافية مازالت مجرد خيال، وفي ساحة كروية مازالت في حاجة إلى أزيد من 4000 حكم، من مختلف الأصناف لتغطية النقص في إدارة التنافس بين زهاء 1540 فريق، كما جاء في تصريح رئيس ”الفاف” محمد روراوة، في الندوة الصحفية التي نشطها بوهران يوم 21 فيفري 2013. وبالرجوع إلى الموقع الإلكتروني ل”الفاف”، نجد أن عدد حكام كرة القدم المعتمدين لكل الأصناف بالجزائر لا يتعدى 400 حكم، أي عُشُر ما تتطلبه الساحة الكروية بالنظر إلى ما كشف عنه المسؤول الأول ل”الفاف”، ومعنى أن النقص في التأطير البشري لإدارة المباريات خاصة في الأقسام الدنيا مازال يتم عن طريق التطوع، وبأن الكثير من الحكام المتطوعين لا يتلقون فلسا عن خوضهم غمار المقابلات، وبأن المقابل، إن حدث، فسيكون إما رشوة من فريق، أو نجاة من عنف أو نصرة وإرضاء لجهة على حساب أخرى، وبالتالي فالحديث عن تنفيذ ال88 مادة الخاصة بالإجراءات القانونية والشروط التي تحكم عمل وصفات حكم كرة القدم منذ الفاتح جويلية 2007، خلفا لتلك المعتمدة قبلها والصادرة بتاريخ 05 جوان 2005، يبقى صعب التحقق فوق ميادين كرة القدم ببلادنا، في الوقت الذي تريد ”الفاف” تحيين ساحتنا الكروية ”بالكلام طبعا”، واللحاق بساحة أوروبية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من إقحام وتعميم مهمة حكم كرة القدم في عالم الاحترافية، على غرار ما حدث في إيطاليا التي تعتبر حتى الساعة الدولة الوحيدة التي يتمتع فيها حكم كرة القدم بمهنة مستقلة ودائمة، وليست ظرفية. وبهذا مكّنت المدرسة الإيطالية حكمها الشهير ”بيرليغي كولينا” من التتويج كأحسن حكم في تاريخ كرة القدم باختيار من ”الفيفا” عام 2010، بعد تصدّره لأحسن حكام العالم لستة مواسم كروية متتالية من عام 1998 إلى عام 2003. بل إن بعض المختصين في قوانين اللعبة بالدول الأوروبية ذهب أبعد من ذلك، وأصبح يسعى لتكوين قضاة في معاهد القانون بالجامعات يختصون في التشريعات الرياضية وفي قضايا الرياضة بمحاكم مختصة ومكتملة النصاب، على غرار ما يجري في باقي المحاكم، مجاراة لتحوّل كرة القدم إلى نشاط معقد ومتعدد الأبعاد الاجتماعية والتجارية والعلائقية. لذلك فإن الحديث مثلا عن سلم أجور خاص بمهنة حكم كرة القدم في الجزائر مازال سابقا لأوانه، ليبقى المقابل منحة لم تتعد 12 ألف دينار إلى غاية الموسم الرياضي الفائت لحكم وطني عن إدارة مقابلة واحدة، قيل إنها رقيت إلى 40 ألف دينار بدءا من الموسم الجاري مهما كانت طبيعة المنافسة. ولا مجال هنا للمقارنة مع حكم أوروبي يحصل على منحة متراوحة بين 1500 أورو و10 آلاف أورو عن إدارة كل لقاء كروي، حسب بعض المصادر المختصة، وحسب درجة التحكيم وأهمية أو صعوبة المنافسات. الحكم الدولي السابق بوسيف لعزوني يكشف ل”لخبر” ”لا أعرف أسباب أبعادي من سلك التحكيم في أوجّ عطائي” شعبان هو المسؤول عن تعفن التحكيم في الجزائر يخرج الحكم الدولي السابق في التسعينيات وبداية الألفية، بوسيف العزوني، عن صمته بعد أن أرغم على التقاعد وهو لم يتجاوز 37 سنة، حيث يكشف في هذا الحوار أسباب إبعاده، رغم أنه كان مرشحا ليكون في القائمة النهائية لإدارة مباريات كأس العالم 2002. هل لنا نعرف كيف كانت بدايتك في سلك التحكيم؟ دخلت عالم التحكيم في بداية الثمانينيات، حيث تدرّجت إلى غاية بداية التسعينيات. كنت مساعدا أولا لمحمد حنصال، قبل أن أرتقي إلى حكم رئيسي بعد سنتين. كما كنت حكما دوليا ولم أتجاوز 30 سنة. وكنت حينها أصغر الحكام الدوليين مع حكم من دولة ترينداد طوباڤو. أدرت في التسعينيات مباريات أثارت الجدل، خاصة المواجهة الفاصلة بين اتحاد عنابة ووفاق سطيف من أجل الصعود. ما الذي حدث؟ لم يحدث أي شيء. توقفت المباراة عدة مرات بالنظر إلى الأجواء التي أحاطت بها، حيث كان الفائز سيصعد إلى القسم الأول. وجرت المقابلة في ملعب قديم، وانتهت بفوز الزوار الوفاق بهدف دون مقابل. وأعتقد أن بعض الحكام رفضوا إدارة هذه المباراة بالنظر للحساسيات الموجودة بين الفريقين. زيادة على أننا كنا نعيش ظروفا صعبة على المستوى الأمني في بلادنا. وماذا عن مباراة شباب باتنة ومولودية الجزائر، وقضية ضربة الجزاء والانسحاب؟ هذه المواجهة جرت في بداية الألفية، حيث كان الفريق المحلي شباب باتنة يحتاج إلى نقطة حتى يضمن البقاء، وأما مولودية الجزائر فحتى وإن انهزمت كانت ستركز على رائد القبة المعني بالسقوط، حيث جرت المواجهة في ظروف أكثر من عادية إلى غاية الدقيقة 90، حين وقع خطأ بعد عرقلة كلّف فريق المولودية ضربة الجزاء. في البداية كان رد فعل اللاعبين عاديا قبل أن يدخل سكرتير العام لفريق المولودية ويطلب منهم الانسحاب وعدم مواصلة اللقاء، حيث انتظرت الوقت القانوني قبل إعلان رفض الفريق الزائر مواصلة المقابلة. وبعد نصف الساعة دخل رئيس الفريق، الدكتور مسعودي، وطلب مني استئناف اللقاء، لكنني رفضت لأنني كنت دوّنت كل شيء على الورقة ومنحتها لمحافظ اللقاء، ورغم إلحاح مسعودي طبقت القانون بكل حذافيره. لكن لماذا تراجع مسعودي بعد حوالي 45 دقيقة؟ لأنه ببساطة بلغه أن فريق وداد تلمسان تمكن قبل نهاية اللقاء من تعديل النتيجة، وفي هذه الحالة فإن رائد القبة هو الذي ينزل، حتى وإن خسرت مولودية الجزائر في باتنة. وبالتالي، فإن عدم العودة كلف فريقه الهزيمة على البساط زائد حذف نقطة من رصيده، حيث تجنب رائد القبة السقوط بفضل انسحاب المولودية. قيل كلام كثير عن إبعادك بسبب هذه المباراة.. أبدا.. لقد تم إبعادي بعد عام ونصف من ذلك التاريخ. حيث حرمتني اللجنة المركزية للتحكيم بعد نهاية بطولة ذلك الموسم من إدارة مباريات القسم الثاني، على اعتبار أن ”العميد” كان ينشط في الدرجة الثانية. وبالتالي اقتصرت مشاركتي على مباريات الدرجة الأولى والدولية. فقد شاركت في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بفرنسا وأدرت نهائي 1996 بين مولودية وهران واتحاد البليدة. حدثنا عن إبعادك من سلك التحكيم وأنت في أوجّ عطائك؟ صراحة، لحدّ الآن لا أملك الأسباب. تلقيت إشعارا بعدم إدارة المباريات دون أية وثيقة رسمية. بعض الأطراف قالت إن الرئيس محمد روراوة هو الذي يقف وراء القرار. لقد راسلت اللجنة المركزية للتحكيم مرتين ولم أتلق إجابة. لم يصدر مني أي شيء والذي حزّ في نفسي أنني لم أجد من يدافع عني، حيث كنت مرشحا لإدارة مقابلات مونديال 2002، لأجد نفسي بعيدا عن سلك التحكيم وأنا في سن 37 سنة، رغم أنني كنت قادرا على المواصلة إلى السن القانوني 48 سنة. وأعتقد أن إبعادي فيه شيء من الثأر، وأن أطرافا في محيط التحكيم الجزائري عرفت كيف تشطبني من هذه المهنة رغم إنجازاتي بالمقارنة مع من يظهرون على الشاشات الوطنية كمحللين وكانوا مساعدين ولا يملكون شارة حكم دولي. كنت تحت إشراف رؤساء اللجنة المركزية، برأيك من هو الأحسن؟ عملت مع الحكم برقي، أشهد أنه كان يحسن التعامل معنا وكان شجاعا ولا يعير اهتماما للأصوات المشوشة، فيما كان مجيبة صارما ويحثّ على تطبيق القوانين. لكن أعيب عليه طريقة تعيين المراقبين، ولم يفكر في رغم أني أملك سيرة ذاتية أحسن من بعض الحكام المغمورين. فيما يبقى شعبان، الذي هو عضو المكتب الفيدرالي الحالي، سبب التعفن، حيث لم أفهم لماذا مُنح له هذا المنصب وهو لا يملك صفة تسيير هذه للجنة. وأؤكد أنه كان وراء تعفن التحكيم في الفترة التي أدارها. وماذا عن بلعيد لكارن؟ بلعيد لكارن حكم معروف، مسير ومؤطر لا يملك الكفاءة. وعليه أن يرحل ويتقاعد، لأنه قضى 10 سنوات تقريبا في المنصب. كان دائم الغياب بداعي تواجده في ملتقيات في الخارج أو حضور فعاليات خارجية. وهو ما استغله ذراعه بشيران في اتخاذ القرارات. وكل الانتقادات والتعيينات العشوائية يتحمّلها لكارن لأنه وضع الثقة في بشيران، مع أن الكل يعلم جيدا أنه أهم أسباب الكوارث. هل تؤكد أن الحكام هم الذين يحددون صاحب اللقب والصاعد والنازل؟ نعم، كل هذه الممارسات موجودة منذ 20 سنة، ويجب أن لا نهرب من هذه الحقيقة. هناك حكّام يحددون صاحب اللقب ويفرضون من يسقط ومن يصعد. والمسؤولون يعلمون لكن لا يتحركون، لأنهم مقتنعون أن هذه الظاهرة هي التي أوصلت بطولتنا وكرتنا بصفة عامة إلى هذه الدرجة من التعفن. الحكم الجزائري في قلب الفضائح الجميع متفقون، لاعبون مسيرون ومسؤولون وحتى الأنصار، على أن التحكيم الجزائري بقدر ما هو ملك وسفير فوق العادة خارجيا، ويحظى بمكانة ليس فقط قاريا أو عربيا وإنما عالميا، لكن محليا يبقى جلّ الحكام الذين يديرون مباريات مختلف الأقسام محلّ اتهامات وإشاعات تلاحقهم بتلقي الرشوة وتسهيل مهمة بعض الفرق التي تلعب على اللقب أو لتحاشي السقوط وحتى في الأصناف الصغرى. رغم وجود الأدلة، ومنها الأشرطة المسجلة والتصريحات التي تبناها وجهر بها مسيرون ومسؤولون وحتى وسطاء، لم يتحرك أحد واقتصرت العقوبات، في أقصى الحالات، على توقيف الحكم أو معاقبته بتجريده من شارة حكم فيدرالي أو دولي، حيث إنه في ال25 سنة الأخيرة أصيبت الكرة الجزائرية ب”تعفن رهيب” جراء التلاعبات، حتى أضحى لقب البطولة الجزائرية يوصف ب”الطايوان”. ”في البداية كان الحكم عزيز النفس وشريفا” بالعودة إلى خمسين سنة إلى الوراء، وحسب شهادات المدربين واللاعبين السابقين، خاصة في مرحلتي الستينيات والسبعينيات، كان حكم كرة القدم الجزائري يتميز بشخصية قوية وعزة نفس وكرامة وغير منحاز. وكان الحكام الجزائريون الأوائل مكونين في المدرسة الفرنسية، ومنهم من كان يدير بطولة هذا البلد في ذلك الوقت في صورة خليفي وعويسي وبن زلاط وشكايمية وبن قنيف وغيرهم، حيث إنه رغم مستوى الكبير للبطولة الجزائرية، إلا أننا لم نسمع في تلك الفترة عن مساومات أو تجاوزات أو محاولات رشوة، حيث كان القانون يطبّق بحذافيره، ولم يكن الحكام يخضعون إلى ضغط محيط معين وكانوا يحظون باحترام كبير. ”لالماس” عوقب بمبارتين بسبب احتجاج تافه والدليل على قوة شخصية الحكم في ذلك الوقت هو إقدام حكم كان تابعا للرابطة الجهوية لوهران على إشهار بطاقة الحمراء في وجه العملاق حسن لالماس، الذي كان نجما فوق العادة بسبب احتجاج تافه في مباراة جرت في بداية السبعينيات بوهران بين المولودية وشباب بلوزداد، حيث كلفته تلك البطاقة الحمراء حرمانه من اللعب في مبارتين. ورغم كل محاولات مسيري شباب بلكور آنذاك إقناع الحكم بعدم تدوين البطاقة الحمراء لكنهم فشلوا. وهو ما يؤكد الصرامة التي كان يتميز بها تحكيم تلك الفترة. الرشوة بدأت بصناديق الفواكه والخضر في الثمانينيات كان بروز ملامح الإغراءات في بداية الثمانينيات، رغم أن مستوى البطولة كان راقيا، بالنظر إلى النجوم التي كانت تعج بهم العديد من النوادي، على غرار نصر حسين داي الذي كان يملك ماجر وڤندوز ومرزقان وبن طلعة، أو شبيبة القبائل بنجومها فرڤاني ولرباس وغيرهما، وياحي وكويسي في شباب بلوزداد، وبن شيخ في مولودية الجزائر وبلومي في مولودية وهران. كل هذه الأسماء والفرق الثقيلة التي كانت تنشط بالبطولة تحت إدارة هيئة التحكيم لتلك الفترة كان كثير من الحكام في بعض مباريات يقبلون هدايا قبل اللقاء أو بعد المباراة، دون نسيان ”تقليد” التكفل بهم ليلة المواجهة سواء بمأدبة غذاء أو المبيت في فندق فخم، حيث كان الحكام الذين لا يردّون الهدايا، يجدون بعد نهاية اللقاءات التي يديرونها في سياراتهم صناديق الخضر والفواكه. والغريب في الأمر أن منهم حكاما دوليين كانوا معروفين في ذلك الوقت بتخصصهم في مساعدة الفرق المحلية على تجنب الخسارة، خاصة في منتصف مرحلة العودة. حكام استغلوا العشرية السوداء وفوضى الاتحادية تبقى فترة التسعينيات ومنتصف الألفية الحالية المرحلة ”الزاهية” لبعض الحكام الذين استغلوا العشرية السوداء وتمكنوا من الاستفادة من عدة امتيازات، ويمكن القول إن ”رشوة الحكام كانت مباحة”، وتتم بشكل العادي ما دام أن الاتحادية كانت مسيرة في معظم فتراتها من قِبل رؤساء الرابطات. وحتى عندما تم انتخاب رئيس كانت القبضة الحديدية هي الميزة الأساسية لعالم الكرة المستديرة، إما بين رئيس الاتحادية ووزير القطاع أو الفرق بينها، حيث استغل بعض الحكام ذلك الوضع وتمكنوا من قبض الأموال، إما عبر وسطاء أو حكام سابقين وحتى رؤساء الأندية. ووصلت اللعبة القذرة ذروتها في غياب المحاسبة حتى منتصف الألفية، حيث صار من الصعب فتح هذا الملف، الذي كان ”خطا أحمرا”، رغم صرخات بعض الفرق، لكن المسؤولين لم يتحركوا وكانت شكاويهم توجه مباشرة إلى الأدراج. فرق فازت بالألقاب بفضل الحكم أو الحكمين حدث في عالم كرة القدم الجزائرية أن بعض الفرق توجت بالألقاب في ال20 السنة الأخيرة، بفضل الحكم أو الحكمين. وكان هذا التتويج يعتمد على ”تخطيط الترتيب للتتويج”، عن طريق تقنية تعيين حكام معروفين ب”ولاءاتهم” وميولاتهم للهدايا والإكراميات رغم احتجاجات الفرق. لكن اللجنة المركزية للتحكيم لم تتحرك، بالعكس شجعت الإشاعة وكانت في كل مرة تصرّ على اختياراتها مع كل ما يصاحبها من احتجاجات، ورغم أن الجميع يعرف أولئك الحكام الذين كانوا يتفننون في ارتكاب الأخطاء دون أن يتم وضعهم في الثلاجة، على اعتبار أنهم كانوا محميين من جهات تعمل في الظل. ”حكم يتقاضى 15 ألف دينار يملك سيارة قيمتها 200 مليون” والغريب أنه في تلك الفترة كان ينشط حكام يتقاضون 15 ألف دينار شهريا، على أقصى تقدير، من الشركات أو الإدارات التي كانوا موظفين فيها، ويديرون ثلاث مباريات في الأسبوع أحيانا. وبما أنهم كانوا مجبرين على التكفل من جيوبهم بالمبيت والنقل، على أن يتم تعويض مستحقاتهم بعد نهاية الموسم. فإن عملية حسابية بسيطة تكشف لنا أن الحكم كان مجبرا على إنفاق أموال لم تكن في متناوله، إذا فرضنا أنه ينفق من مداخيله الشرعية. فإذا كان التنقل من وسط البلاد إلى شرقها يكلف الحكم 5 آلاف دينار، فإن تنقلين اثنين متتالين يكلّفانه 10 آلاف دينار. وكان هذا الصنف من الحكام يملك سيارات فاخرة قد يبلغ سعرها 200 مليون سنتيم. وكان الناس يتساءلون دائما عن الطريقة التي كسب بها الحكام تلك السيارات. المسؤولون شجعوا الرشوة والمكلف بالتعيينات في قفص الاتهام لا يجب أن ننكر أن بعض المسؤولين الذين كانوا يسيرون البطولة في فترة التسعينيات وبداية الألفية كانوا وراء تفشي هذه الظاهرة، حيث كانوا يتصلون بالحكام ويحذرونهم من عدم مساعدتهم في القرارات التي يتخذونها ب”مساعدة هذا الفريق أو ذاك”. وكانت أداة المساومة أو الإغراء شارة حكم فيدرالي أو دولي. وليس سرا أيضا أن بعض الفرق كانت محمية من بعض مسيري إدارة شؤون الكرة وحتى إدارة شؤون البلاد السياسية. سيارات الإسعاف تساهم في صعود النوادي وما يبين تعفن الكرة الجزائرية هو ما حدث الموسم الماضي عندما صعد فريق إلى بطولة ما بين الرابطات على البساط بسبب عدم وجود سيارة إسعاف، حيث إن لوائح الاتحادية تنص على أنه في غياب طبيب أو سيارة إسعاف لا يمكن إجراء المقابلة، وهو ما حدث عندما تمكّن فريق من الجهة الوسطى من كسب ست مباريات خارج قواعده في غياب سيارة إسعاف، وهو دلالة واضحة على ما آلت إليه الكرة الجزائرية. ”كل شيء مباح في الأقسام السفلى” وإذا كانت مقابلات الرابطة الأولى والثانية المحترفة تحت مجهر المراقبين والمحافظين والحكم الرابع في كل المواجهات التي تجري في الداخل والخارج، فإن ما يحدث فيما دونها من أقسام ”مدهش”. ففي قسم الهواة إلى الجهوي الثاني وما تحتهما كل شيء مباح، ويستطيع الحكم أن يغيّر النتيجة بين الشوطين إذا تدخل وسطاء قادرون على الإقناع، بالترغيب أو الترهيب. ففي الموسم الماضي في مباراة في القسم الجهوي نال أحد الحكام 120 مليون سنتيم بالنظر إلى حساسية مبارتين بين فريقين جاريين في الجهة الوسطى، وكان الفوز واجبا حتى يرتقي أحدهما. حكام يسهّلون المهمات ب”الفليكسي” يعلم العام والخاص أن شراء الذمة في كرة القدم الجزائرية لا يحتاج إلى معرفة الجنرالات أو روراوة شخصيا، وإنا يتم عبر شبكة من الوسطاء، يعرفهم الناس ولا يخفون من جهتهم نشاطهم، ويتكفلون بتحضير كل شيء في منتصف الأسبوع، عندما تصلهم معلومات حول تعيين الحكام لإدارة اللقاءات في الوسط أو الغرب والشرق. من جهة أخرى، يوجد حكام يفضّلون التعامل مع وسطاء بعيدين على الشبهات، وآخرون يفضلون التفاوض المباشر، وهم الذين يوجدون في نهاية مشوارهم. فيما هناك حكام ملقّبون ب”الدرجة الثانية” مستعدون لتسهيل المهمة مقابل ”الفليكسي” أو بطاقة شحن هاتفي بألفي دينار. ومن المميزات الأخرى لهذا العالم أن بعض الفرق هي التي تحدد قيمة الحكم، فمثلا في الخمس مباريات الأولى لا تتعدى قيمة ”شراء الحكم” 30 مليون سنتيم، أما في ال10 مباريات التي تليها فيصل المبلغ إلى 40 مليونا، فيما يرتفع المبلغ في مرحلة العودة حسب مراكز الفرق. لكن جلّها ترّكز على الفرق التي تملك ”الشكارة” والمصداقية، وتعني المصداقية ”وفاء رؤساء ومسيرين في التسديد وحسن تعاملهم مع الحكام دون فضائح”. نصر الدين بغدادي.. الوحيد الذي جهر بوجود حكام مرتشين يتذكر كل الناس الجمعية العامة الاستثنائية للاتحادية الجزائرية لكرة القدم سنة 2000، في عهد الرئيس الراحل عمر كزال، حين اضطر نائبه نصر الذين بغدادي إلى أخذ الكلمة فوق المنبر وفجّر قنبلة مدوية حينها، وأكد تعفن الكرة الجزائرية بوجود حكام مرتشين يتقاضون أموالا ”حرام”. وأكثر من ذلك سماهم أمام أعضاء الجمعية العامة وسط ذهول الجميع، وأعطى أمثلة عديدة. وذكر أن المفاوضات حول البيع والشراء تتم في فندق 5 جويلية، وأطلق عليه اسم فندق ”كلكيتا” الهندية. وكشف في الجمعية العامة الأسعار وتفاصيلها، حيث أكد بغدادي أن القيمة المالية لضربة الجزاء 30 مليون سنتيم، والمخالفة على بعد 20 مترا 10 ملايين، والتسلل 10 ملايين، والبطاقة الصفراء 5 ملايين والحمراء 8 ملايين. وقال إن اللجنة المركزية للتحكيم ساهمت في تعفن سلك التحكيم. ثلاثة أيام بعد هذا التصريح، رفع رئيس لجنة التحكيم، بلعيد لكارن، دعوى قضائية ضد بغدادي وجمع 111 توقيع من الحكام التزموا بالشهادة أمام المحاكم. ورغم أن نصر الذين بغدادي برّأته العدالة لكن لا أحد تجرأ على متابعة الحكام ولا المسؤولين، خاصة أن كلام بغدادي، الذي يشتغل محافظ اللقاءات في البطولة، خطير. وأكد لنا مؤخرا أنه متطوع ولا يأخذ أجرة، وهو ما يبين أن تطهير الكرة الجزائرية يحتاج إلى ”ثورة” للقضاء على المرتشين. شاهد من أهلها رئيس الرابطة الولائية لكرة القدم بالمدية وحكم سابق حكام الأصناف القاعدية في مهب الرياح حكم ولائي رئيسي يتقاضى 2000 دج حاليا عن كل مقابلة يديرها، ومساعده للتماس 1600 دج، وحكم في القسم الجهوي لا تتعدى منحته 4 آلاف دينار، كما تمنح سبعة آلاف دينار لطاقم تحكيم بحكامه الثلاثة كتعويض تنقّل لكل كيلومتر يعبره نحو ميدان إدارة المقابلة، بما في ذلك تلك التي تجرى في مناطق بعيدة، مثلا في الولايات الصحراوية، حيث لا حقّ للحكم في تذكرة جوية، وما عليه سوى التنقل برا، أما إذا تنقل ولم تجر المقابلة لسبب ما فإن حقه في التعويض عن تنقله سيسقط. أما بخصوص حقه في الترقية والتكوين من حكم ولائي بعد ثلاث سنوات من الممارسة، فيسقط أيضا آليا بعد بلوغه سن ال24 عاما، مع عدم استفادته من تعويض مدة الخدمة الوطنية. وبهذا فالكثير من الحكام المبتدئين تنتهي مهمتهم وصلاحيتهم مبكرا، إلا من رحم ربك، وطبعا هذا بسبب قصور واضح في التشريعات الكروية- إن جاز التعبير-والمعمول بها من قِبل الفدرالية. فمثلا من بين 46 حكما تم تكوينهم محليا، هناك ستة فقط تمكنوا من الإفلات نحو درجات أعلى، وحتى التكوين نفسه يموّل على عاتق اشتراكات لاعبي الفرق محليا، ولا توجد أي مصادر تمويل بديلة أو قارة من قِبل الفدرالية مثلا. أما في الميادين، فالأمر أشد على حكم الأقسام الصغرى، وكلما نزلت نحو الأصغر تزداد شدة، فإضافة إلى بدائية أغلبية ميادين اللعب وإجراء المنافسات، من غياب في قاعات تغيير الملابس إلى انعدام الأسيجة الوقائية المحيطة بالملاعب، يجد الحكم نفسه في البرية و”الخلاء”، مرغما على مضاعفة احتياطاته والاكتفاء بما قلّ، أو أحيانا حتى ما انعدم من تجهيزات ووسائل لأداء مهمته، كأن يضطر لاقتناء صفارة خاصة بلعب الأطفال لإدارة المقابلة، ناهيك عن معضلة التواصل مع اللاعبين بسبب جهلهم بأبسط قوانين التحكيم، وأدهى من ذلك أن الجهل بها يمتد إلى مدربيهم أو مسيري الفرق أنفسهم، ومن ثم تتوسع دائرة ”حوار الطرشان” بين الحكم ومن يديرهم فوق الميدان، وغالبا ما يتسبب ذلك في استفزاز الجماهير في المدرجات ليتحوّل المشهد إلى كارثة، يجد الحكم في خضمها نفسه المتهم الأول. وبهذا فإن المشهد أصبح في حاجة إلى صياغة قوانين أكثر جزئية ودقة وليس الاقتصار على عمومية ”الوصايا ال17” التي تسير بها شؤون التحكيم القاعدي في الساحة الكروية الحالية، فأغلب حكام الأصناف الدنيا غالبا ما انتهوا بأوضاعهم هذه إلى أمراض مزمنة، كالسكري وضغط الدم والروماتيزم، ولم يجدوا حتى الساعة أي متكفل بحالهم، سواء على مستوى صندوق الضمان الاجتماعي أو الفدرالية ذاتها. عمي قدور.. حكم من فولاذ ”ربع قرن في الميادين.. دخلتها صلبا وغادرتها أصلب” أدرنا مقابلات حاسمة بمقابل لا يتعدى 120 دينار حكاية عمي قدور مع الصفارة استمرت زهاء ربع قرن، بدءا من سنة 1972 عبر إقليم ما كان يعرف آنذاك بولاية التيطري، وفوق ملاعب ”كانت ميادين ترابية دون أسيجة وبلا حتى غرف لتغيير الملابس، لكن أصعب من ذلك يحدث بسبب جهل جماهير العامة من المتفرجين لقوانين كرة القدم، ما كان يعكر أجواء المباريات من حين لآخر”، يقول عمي قدور، البالغ من العمر حاليا 71 سنة، ومازال يحمل همّ الملاعب، بقيادته للجمعية الولائية للروح الرياضية ومقاومة تنامي العنف في الملاعب. ”لاعب أراد ابتزازي بالشتم كي أمنحه بطاقة حمراء فعاقبته بأن حرمته منها!” يتذكر عمي قدور أطرف وأغرب حادثة وقعت له مع لاعب من تابلاط، حين اقترب منه أحد اللاعبين وأمطره بوابل من الشتائم والتهديدات: ”كان ذلك دون مبرر. واجهت الموقف بكل برودة دم، كنت أتوسم في وجهه رغبة غريبة في الحصول على بطاقة حمراء والطرد من الملعب، وتفطنت بأنها حيلة شيطانية من ذلك اللاعب الذي منعه المدرب من التغيب عن تلك المقابلة، خشية ردّة فعل المناصرين في المدرجات كونه لاعبا محوريا. ولأنه كان يريد عطلة لتفادي مواجهة الجمهور بمردود هزيل، فسعى إلى تحميلي المسؤولية بطرده، وبالتالي منحه فرصة الإفلات من انتقادات مناصري الفريق، ولم أمنحه غير الردّ عليه بأنه لن يحصل على البطاقة الحمراء حتى لو استمرت شتائمه طوال مدة المقابلة”، يروي عمي قدور هذه القصة الطريفة التي يعتز بها دون أن ينسى، كما أضاف، أن أصعب مقابلة أجراها كانت بين فريقين للصم والبكم، حيث اضطر للمزاوجة بين إشارتين فوق الملعب، الراية للتواصل مع الصم والصفارة للتواصل مع البكم. أما حكاياته مع العنف في الملاعب، فيقول ”كنت ألجأ إلى المدارس أو المستشفيات لركن سيارتي، وأتفادى كل الجهات المستهدفة من قِبل المشاغبين، ومن بينها مقرات الشرطة مثلا، وأحيانا من باب التمويه أترك سيارتي في مدينة مجاورة، وأستقل سيارة أجرة، وعند العودة إلى بيتي أغيّر الطريق عدة مرات، خشية استهدافي من قِبل المشاغبين. أما عائلتي فغالبا ما تعيش ”السوسبانس” والكوابيس بمجرد أن تشاهد أي شبهة نحو العنف على التلفزيون في أي ملعب أكون فيه حكما للمقابلة. وكل ذلك كان بداية مشواري في التحكيم بمقابل لا يتعدى 120 دينار”. كما لا ينجو أبناء حكام كرة القدم وبناتهم من المضايقات في المدارس، خاصة في المقابلات ذات الطابع المحلي والتي يديرها حكام محليون أو متطوعون، تبعا لأي مناوشات متعلقة بما يدور في الملاعب. لتبقى مهنة ”حكم كرة القدم” في حاجة متنامية إلى أعصاب فولاذية، حسب عمي قدور، وبأن تجريد الحكم من حقه الإنساني في الخطأ يبقى هو الخطأ في حد ذاته.